اقتصادصحيفة البعث

سورية الثانية عربياً والسادسة على مستوى دول المتوسط إنتاج الزيتون وزيته.. تعارض حاد بين الواقع الفعلي للإنتاج والحقيقة المرة لارتفاع الأسعار

 

عبد الرحمن جاويش
الزيتون هو إحدى أهم الزراعات البعلية في الجمهورية العربية السورية، حيث الموطن الأصلي لهذه الشجرة ومهد انتشارها، فقد زرعت قبل آلاف عديدة من السنين وارتبطت بحياة وعادات المجتمع وأصبحت تشكل حيزاً هاماً في تراثه وثقافته، وللزيتون في سورية أهمية اقتصادية متميزة لاسيما وأنها مصدر الرزق والمعيشة لشريحة عريضة من جماهير الفلاحين خاصة وأنها تزرع في الأراضي الأقل خصوبة والتي لا تصلح للزراعات الأخرى في كثير من الأحيان، ويمكن أن يلعب محصول الزيتون دوراً هاماً في تأمين القطع الأجنبي عن طريق التصدير إلى الخارج.
وتقع مزارع الزيتون أساساً في المناطق الشمالية والغربية “حلب، إدلب، اللاذقية وطرطوس وحمص”، كما أنها تنتشر على نطاق واسع في المنطقة الجنوبية “درعا، السويداء، القنيطرة”. وللزيتون أهمية يمكن وصفها بالاستراتيجية إذ يعتبر زيته وبحكم عادات الاستهلاك القائمة أحد محاصيل الأمن الغذائي كونه غذاءً شعبياً واسع الانتشار، ومصدراً هاماً للدهون الصحية في التغذية.

زراعة وإنتاج
يبين مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة المهندس عبد المعين قضماني أن سورية تحتل مكاناً مرموقاً في مجال زراعة الزيتون على الصعيدين العربي والدولي حيث تشغل الموقع الثاني عربياً والسادس على مستوى دول المتوسط، إذ تبلغ المساحات المزروعة بالزيتون على صعيد القطر حوالي 650 ألف هكتار، تضم أكثر من 90 مليون شجرة، منها نحو 72 مليون شجرة مثمرة والباقي مازالت شجيرات فتية لم تدخل طور الإثمار بعد، ويقدر متوسط الإنتاج السنوي بـ 1.2 مليون طن من ثمار الزيتون ينتج عنها حوالي 150 ألف طن من الزيت، و300 ألف طن من زيتون المائدة، مشيراً إلى أن زراعة الزيتون كانت في الماضي مقتصرة على شمال وغرب سورية، ولكنها انتشرت في العقدين الأخيرين لتعم كافة أنحاء القطر تقريباً، حيث تزرع بعلاً في غالب الأحيان وفي الأراضي الأقل خصوبة وتزرع بشكل واسع في مشاريع الاستصلاح والتشجير الحراجي وتقتصر المساحات المروية على غوطة دمشق وواحة تدمر والمساحات الحديثة في شرق القطر “دير الزور، الرقة، الحسكة”، إضافة إلى بعض البساتين التي تروى, يبلغ عدد منشآت عصر الزيتون واستخلاص الزيت حوالي 720 معصرة موزعة على مناطق زراعة الزيتون المختلفة، منها حوالي 100 معصرة تعمل على مبدأ القوة النابذة، والباقي تعمل على مبدأ المكابس، وهناك أيضاً 21 وحدة لاستخلاص الزيت من بيرين الزيتون الكسبة المتخلفة عن المعاصر تستخدم فيها المذيبات العضوية وينتج عنها حوالي 7 آلاف طن من زيت البيرين تستخدم لأغراض الصناعة وخاصة الصابون. وتعتبر محافظة حلب الأولى بين المحافظات من حيث مساحة وعدد الأشجار تليها محافظة إدلب، طرطوس، اللاذقية، درعا وبقية المحافظات، وينتشر في سورية عدد كبير من الأصناف التي تم اصطفاؤها وتجنيسها عبر آلاف السنين وتشكل ثروة وراثية للزيتون، وبعض هذه الأصناف يستخدم لاستخلاص الزيت وبعضها الآخر للتخليل وتحضير زيتون المائدة، وأصناف تعتبر ثنائية الغرض لاستخلاص الزيت والتخليل. ومن أهم الأصناف المنتشرة في المناطق الرئيسية لزراعة الزيتون الصوراني والزيتي والخضيري والدعبيلي والدان والقيسي والجلط ومحزم أبو سطل والمصعبي.

الحقيقة المرة
رغم الوفرة بالإنتاج والتوسع بزراعة الزيتون وانتشار المعاصر ما زلنا نعاني من ارتفاع أسعار زيت الزيتون إلى حدود غير معقولة لدرجة من الصعوبة بمكان الحصول على المادة بأسعار معقولة ترضي المواطن نظراً لأهمية المادة الغذائية التي تعدّ على رأس الأولويات في المطابخ وعلى موائدهم، فإلى أين يأخذنا هذا التعارض الحاد بين الواقع الفعلي للإنتاج والحقيقة المرة التي أوصلت أسعار هذا الإنتاج إلى حدود غير مقبولة..؟ وما حقيقة هذه السلعة المهمة ولماذا ترتفع أسعارها وتنخفض فجأة ..؟ وهل هناك من أسباب معقولة…؟ مهما كانت الذرائع فإن الأسعار تأخذ منحىً مختلفاً حيث يباع سعر ليتر الزيت بنحو 2000 ليرة، ويباع الغالون الواحد بسعة عشرين ليتراً من زيت الزيتون غير المركز بسعر 26 ألف ليرة سورية في بعض المناطق، في حين يرتفع هذا السعر بمقدار1000 ليرة إضافية في مناطق أخرى ليصل إلى 27 ألف ليرة بحسب جودته ونقائه وعدد مرات العصر، بحسب درجة الجودة كذلك بالنظر إلى أن تصنيعه يستغرق وقتاً وجهداً أكبر من زيت الزيتون العادي.
وفي هذا السياق تعزو مصادر وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك سبب ارتفاع أسعار زيت الزيتون إلى ارتفاع تكلفته الزراعية وإلى المواسم وتوقيتها وإلى التلاعب بالأسعار والجشع والطمع، مشيرة إلى أن الوزارة ومديرياتها تلزم البائعين بالتقيد بنشرة الأسعار الصادرة عنها مع الرقابة المشددة على الأسعار.

أسباب و تبريرات
يرى خبراء في التسعير والتسويق أن أهم أسباب ارتفاع أسعار زيت الزيتون تتمثل بالعديد من الصعوبات التي واجهت المزارعين والمستهلكين معاً خلال سنوات الأزمة والتي يمكن تلخيصها بارتفاع تكاليف الإنتاج والمحروقات من جهة، وتكاليف القطاف والنقل والعصر من جهة ثانية، هذا فضلاً عن الآثار المدمرة التي تركتها الأزمة التي جعلت من الكثير من مزارع الزيتون مسرحاً لها وخاصة في ريفي حلب وإدلب اللذين يحوزان على حوالي 46% من إجمالي المساحة المزروعة في البلاد بشجر الزيتون، إضافة للحالات المرضية التي لحقت بالكثير من مزارع الزيتون بسبب عدم توفر الأدوية اللازمة وعدم توفر السماد العضوي والتلف الذي كان يلحق بالمحصول، سواء نتيجة الحرائق التي كانت تندلع بسبب عمليات الحرب أو التلف نتيجة عدم تمكن المزارعين من إيصال محصولهم إلى المعاصر خلال الفترة المسموح بها وهي ثلاثة أيام كأقصى حد، وإما لصعوبة الوصول أو لضعف الطاقة الإنتاجية في المعاصر التي يمكن الوصول إليها، أو بسبب زيادة الكميات المطلوب عصرها في تلك المعاصر، وكذلك ارتفاع تكاليف العصر بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، وتوقف العديد من المعاصر عن العمل سواء بسبب التدمير الذي لحق بها أو بسبب صعوبة الوصول إليها، أو لعدم الجدوى الاقتصادية من القيام بعمليات العصر في ظل عدم تمكن المزارعين من تصريف إنتاجهم أو السطو على كميات كبيرة منه من قبل الإرهابيين.
كما أن التهريب والتصدير بهدف الحصول على القطع الأجنبي أثر على بعض الأسواق السورية خلال السنوات الماضية ما تسبب بشحٍ في كميات المعروض من زيت الزيتون وصلت لحدود 70 ألف طن بالمجمل أحياناً، علماً أن حاجة البلاد تتراوح بين 110 إلى 120 ألف طن سنوياً، إلا أن عمليات التهريب أو التصدير بهدف بيعه بأسعار أعلى حالت دون إمداد السوق المحلية بحاجتها الكافية.

ضرورات يجب تحقيقها
زراعة الزيتون من الزراعات الاستراتيجية والتي تحوز أهمية اقتصادية واجتماعية وعلى درجة متقدمة لابد من تطويرها والتوسع بها، وأمام هذا الواقع يطالب مزارعو الزيتون وإنتاج الزيت بالعمل على تحسين واقع هذه الزراعة بدءاً من الاهتمام بالشجر من حيث التركيز على نوعيات محسنة من الغراس لزراعتها وتقديم الدعم الكافي للمزارعين سواء المالي أو تقديم الأدوية والمبيدات والسماد بأسعار تشجيعية بهدف التوسع في زراعة أشجار جديدة وتثبيتهم في مزارعهم وتمسكهم بها، مروراً بتطوير خطوط الإنتاج في معاصر الزيتون والرفع من طاقتها الإنتاجية وتوفير مستلزمات تعبئة الزيت وحفظه المناسبة والمتوافقة مع الأسواق العصرية، ومحاولة تصنيفه من حيث الجودة والنوعية بحسب مواصفاته وخواصه ومستوى القيمة الغذائية الموجودة، والبحث عن السبل التي يمكن من خلالها تحقيق قيمة مضافة في هذه الصناعة التي وصلت فيها سورية إلى درجات متقدمة على صعيد الإنتاج العالمي، وضرورة إيصال السلعة إلى المستهلكين بأسعار مناسبة وبحسب الجودة والنوعية بعد العمل على تصنيف المنتج وفق مواصفات معيارية علمية ومخبرية معينة.