ثقافةصحيفة البعث

“فرانك هارو” وفن كتابة السيناريو

 

عديدة هي الكتب الأجنبية والعربية التي تضع لمضمونها عنوانا عريضا، رشيقا ومغريا، كعنوان الكتاب الذي نقدمه وهو: (فن كتابة السيناريو)، لمؤلفه “فرانك هارو” وترجمته بمهارة “رانية قرداحي”، والذي يفتتحه “فيم فاند” بالقول التالي “السينما تبدأ بكلمات على الدوام، فالكلمات هي من يقرر إن كان للصور حق الولادة، إنها الطريق التي يجب أن يعبرها الفيلم، كي تستطيع الصور أن تخرج إلى حيز الوجود، وهنا بالذات تخفق الكثير من الأفلام”، ولو دققنا فيما قاله الرجل، لوجدنا أنه قام بالتأكيد على أهمية الكلام لصناعة الفيلم، بأكثر من أسلوب، وبنفس المعنى.
عنوان كهذا أو ما يشبهه لهذه النوعية من الكتب (التعليمية)، ربما يوجد منه مئات بل آلاف الكتب، تلك التي وضع أصحابها صناعة الفيلم عموما على طاولة التشريح، وقاموا بتفكيك العديد من الأعمال السينمائية الجيدة، ليتمكنوا من معرفة أين تكمن نقاط القوة ونقاط الضعف في هذا العمل الفني، وهكذا بدأ ومنذ عقود، ظهور الكثير من الكتب التي راحت تقدم لهذا الفن، إن كان بشكل كلي عام، أي أنها تقوم بعرض أهم مقومات الفيلم السينمائي الناجح، أو بتناول بعض الكُتّاب، لواحدة من أهم ميزات العمل السينمائي الجيد، والعمل على التوسع في دراستها وذلك للخروج منها بالعديد من الملاحظات الجديدة المهمة، ثم تقديم خلاصة هذا الجهد في كتاب، وتقديمه لمن يحب أو يرغب بالخوض في عالم السينما.
من تلك الكتب جاء كتاب “فن كتابة السيناريو”، الذي قام بالتركيز على واحدة من أهم مقومات الفيلم “كتابة السيناريو”، وذلك للتوسع في شرحها وإيفائها حقها، وتقديم ما غاب عن غيره تقديمه في كتاب ما، تارة بتقاطع مع العديد من الأفكار المكررة عن هذا الفن، خصوصا إن كانت من أساسات بنائه، وتارة باعتماد الكاتب على إحساسه الداخلي المصقول بما اكتسبه من خبرة في هذا المجال، وذلك من خلال احتكاكه بعالم الفن السابع الساحر، ولن يكون مفاجئا إن قلنا أن معظم من خاضوا في كتابة هذه النوعية من الكتب التعليمية، هم غالبا من أبناء الوسط نفسه، إما مخرجين، كتاب، ممثلين، نقاد، تطورت خبراتهم بالمران مع ذلك الاسم الكبير في الإخراج السينمائي وغيره، ما جعلهم واثقين من قدرتهم على الخوض في شأن شائك كهذا، خصوصا وأنه صار له العديد من الأنواع، وأساليب الصناعة، والكتابة، والتصوير، إلا أن الأساسيات تبقى ثابتة، وهذا ما يجب التأكيد عليه، خصوصا بالنسبة للمخرجين الكُتاب، الذين يكتبون الفيلم ويخرجونه بما عُرف باسم “سينما المؤلف”، فأنت كمخرج من الطبيعي أن تكون لديك ملكات وعلوم الإخراج، أما الكتابة فهي فن منفصل تماما، له شروطه القاسية وتحدياته التي لا يستطيع خوض غمارها إلا الكاتب، فهو من يمتلك هذه الملكة، لكن ما يحدث عادة في هذا النوع من السينما، أن المخرج يقوم بإخراج فيلمه على الورق، ويكتب حسب ما يتصور أنه الأفضل لجهة التنفيذ، وكم كانت النتائج قاسية على العديد من هؤلاء السينمائيين ومن اشتغل معهم، مخرجون قدموا العديد من الأفلام السينمائية وفق مزاجهم الشخصي، والنتيجة كانت النسيان لهذا الفيلم بعد مشاهدته بسويعات قليلة، بينما يمكن أن يذكر أحدنا التفاصيل الدقيقة لفيلم مثل “مالينا” أو “وردة القاهرة القرمزية”، حتى لو تذكرها بعد عقود، ولهذا فإن “هارو” يعتبر أن كتابة السيناريو هي فن أولا، وهذا الفن له قواعده التي يُبنى عليها، فأخطر ما يمكن أن يحدث، هو الذهاب للتصوير دون “الورق-السيناريو”، وهذا حصل عندنا، عندما قام أحد المخرجين بالطلب إلى الممثلين أن يضع كل منهم تصوره لشخصيته ثم يكتبها، وهكذا جاء فيلمهم أقصد فيلمه، مكتظا بالأبطال الذين كتبوا أدوارهم بكامل الأبهة غير الموظفة في قصة الفيلم أو في شأن غيره، فكل منهم كتب دوره بما يتلاءم ومزاجه الشخصي لا القصصي، وهم ممثلون أولا، وليس مطلوبا منهم فعل هذا!.
كتابة السيناريو ليست بالأمر الهين أبدا كما يتخيل البعض، بل إنها واحدة من أصعب الأعمال التي يريد الكثير التجريب فيها وينتكسون، كما أنها منضبطة بقواعد صارمة، فهي من سيحمل الفيلم-الصورة، لا العكس، وهي من ستبتكر الشخصيات وتعطيها روحا تحيا بها، وهي من سيضع المخرج أمام خيارات مختلفة في صياغتها بصريا.
كتاب “فن كتابة السيناريو”، يقدم ما هو الضروري معرفته عند العمل على كتابة سيناريو سينمائي، وبمختلف أنواعه، تراجيدي، كوميدي، رومانسي، اجتماعي، رعب وكوارث وغيرها، طارحا العديد من الأسئلة المتتالية بانتظام مدروس، للانتهاء من فكرة، ثم البدء بالعمل على فكرة أخرى وسؤال آخر، من تلك الأسئلة “كيف يمكن كتابة سيناريو جيد؟ من أين نبدأ عندما تتشكل لدينا فكرة القصة؟ كيف نصنع فيلما يحوز رضا الجمهور ويفوز بمحبتهم؟، هذه الأسئلة يجيب عنها “فرانك هارو” في الكتاب الآنف الذكر، مع إيراده العديد من الأمثلة التي جاء بها من الأفلام الكثيرة التي شاهدها واشتغل بها، وهذا الأسلوب في كتابة جافة بعض الشيء باعتبارها أمر تقني وفني، سيأخذ القارئ في رحلة بانورامية على تلك الأفلام التي استخدمها المؤلف لتكون دليله على فكرته.
“فن كتابة السيناريو” من إصدارات وزارة الثقافة- المؤسسة العامة للسينما.
تمّام علي بركات