دراساتصحيفة البعث

إيران وأمريكا على مسار التصادم

ترجمة: علاء العطار

عن موقع “ذا غارديان” 13/6/2019

لم يعد خافياً على أحد الاستراتيجية الخبيثة التي تستخدمها الولايات المتحدة لتبرير شنها حرباً على أي بلد، خاصة وأنها استخدمتها على العديد من البلدان، كـ سورية وفنزويلا والعراق وغيرها الكثير.

قبل أن يتبدد الدخان الأسود المتصاعد من ناقلة النفط المنكوبة “فرونت ألتير” يوم الخميس الماضي كان هناك أمر واضح، وهو أن مخاطر نشوب حرب في المنطقة حقيقية وتتصاعد بسرعة، وقال المسؤولون الأمريكيون إنه من “المحتمل جداً” أن تكون إيران قد هاجمت ناقلة النفط النرويجية وناقلة أخرى في خليج عمان بالقرب من مضيق هرمز، وهو مضيق مزدحم بتجارة النفط والغاز العالمية، وكانوا قد ألقوا باللوم على طهران إزاء هجمات بالألغام على سفن نفط أخرى الشهر الماضي.

وسارع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى التغريد على تويتر بأن “الشك لا يصف ما وقع على الأرجح هذا الصباح”، مشيراً إلى أن الهجوم على الناقلتين اللتان تحملان شحنة إلى اليابان وقع بينما كان رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في لقاء مع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في زيارة تهدف إلى المساعدة في تخفيف التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

وواقع الأمر أن السؤال عن من هو المسؤول الحقيقي يتشعب إلى سؤالين آخرين: من المسؤول؟ ومن الذي هيأ السياق لهذه الهجمات التي كانت غير واردة قبل عام؟. لا تنسى أن الولايات المتحدة هي التي خرجت من الصفقة النووية الدولية التي كانت إيران تلتزم بها، لا شيء غير أن دونالد ترامب لديه حساسية تجاه أي نجاح حققه سلفه، وبوجود المتطرف جون بولتون وتحريض من الإمارات والسعودية، مارست الولايات المتحدة “أقصى درجات الضغط” لخنق الاقتصاد الإيراني وإرسال رسائل تهديد أخرى لدفع إيران نحو طاولة التفاوض، ويبدو أن اللجام الوحيد الذي يكبح جماح الرئيس هو وعده للناخبين بانتشالهم من حروب الشرق الأوسط الباهظة الثمن، وربما رغبته في إثبات أنه منظم صفقات أبرع من باراك أوباما.

لكن في حين قفزت أسعار النفط العالمية عقب الهجمات، قد لا تكون إيران هي الدولة الوحيدة التي تعاني من التوترات، فقرار الولايات المتحدة بالتنصل من الصفقة النووية الإيرانية قوض تأثير المعتدلين في أمريكا، وحذر ظريف من أن الولايات المتحدة “لا يمكن أن تتوقع أن تبقى آمنة” بعد شن حرب اقتصادية على طهران، وأرسلت سلسلة التغريدات التي أصدرها المرشد الأعلى للسيد آبي رسالة أكثر تشدداً، وقال: إن ترامب ليس شخصاً يستحق أن نتبادل معه الرسائل، ولا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة.

ويتزايد إحباط إيران بصرف النظر عن الجهود الأوروبية لدعم الاتفاق النووي، وبالرغم من قيام المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا بإنشاء آلية دعم المبادلات التجارية لتمكين التجارة مع إيران، إلا أنها تبدو وكأنها بيان سياسي أكثر من كونها آلية فعالة في الوقت الحالي، وتريد إيران ضخ أموال بدء التشغيل بشكل جدي، الأمر الذي قد يقنعها بالتوقف عن السير في مسار التصعيد الحالي.

يتمتع الكونغرس في الولايات المتحدة بسلطات محدودة لتقييد الإدارة، لكن بإمكانه، بل ينبغي عليه على الأقل أن يستخدم قدرته على زيادة وإبراز الخسائر السياسية للمسار الأمريكي الحالي، وقد أظهر أخيراً استعداده لاتخاذ موقف من الحرب في اليمن.

يبدو من المستبعد جداً أن يكون لدى طهران أي ميل متعصب لمواجهة الولايات المتحدة بصورة مباشرة، لكن ليس هنالك في الوقت الحالي أي مؤشر على استعداد أي من الطرفين لوقف التصعيد، ففي الشهر الماضي، وعقب أولى الهجمات على ناقلات النفط، حذر وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت من خطر حدوث صراع “بالمصادفة”، وأي هجوم يتسبب بوفاة جماعية أو أي وفاة أمريكية قد يرسل هذا الموقف المتقلقل إلى حافة الهاوية، وقد يتحول حريق “فرونت ألتير” إلى حريق واسع النطاق يلتهم المنطقة ولا يمكن حصر عواقبه المدمرة في إيران وحدها.