ثقافةصحيفة البعث

البرامـــــج الدراميـــــة

كثيرة هي البرامج التلفزيونية التي تقوم مادتها الأساس على الدراما التلفزيونية، فقبل ومع وبعد الموسم الدرامي الرمضاني، تبدأ تلك البرامج بالعمل مثل ماكينة، في تصعيد نجم ذلك العمل، أو الحديث بشكل عام عن الدراما وأخبارها وأخبار صناعها ونجومها، ومن تلك البرامج من صار له اسما لامعا في هذا الشأن، وتحتضنه أهم الشاشات العالمية، محليا وعربيا وعالميا، ولن يكون الحال مخفيا إذا ما قلنا أن تلك البرامج بالذات، هي الشريكة الرئيسية في صعود نجم ذلك الممثل، وفي هبوط أسهم آخرين، إنها ببساطة برامج تجارية وما يُسمى “الريتنغ” هو ما يجعلها إما على قيد الحياة أو العكس، ولكن ما يهمنا الآن ونحن نراقب فينيق درامانا المحلية، ينطلق من الرماد، هو برامجنا نحن، لا الغير الذي يتحدث باسمنا ويجني الأرباح والمشاهدات الكثيرة أيضا باسمنا وباسم أعمالنا.

لا يخفى على أي متابع أن الدراما التلفزيونية السورية، هي من صارت لأجلها تدور الكاميرات في الاستوديوهات الفخمة بديكوراتها الأبهة ومقدميها وروادها أيضا من النجوم، والذين يأتون في كل موسم، أو يأتي العدد الأكبر منهم من الفنانين السوريين، دون أن يخفى أيضا التوجه السياسي لتلك القناة وغيرها في هذا العمل، فلن تشاهد على المحطات الخليجية الأكثر متابعة مثلا، حوارا فنيا دراميا حقيقيا مع ممثل أو ممثلة سورية، رغم البراعة العالية التي ظهر فيها بما قدمه من شخصيات، خصوصا إن كان ذلك الفنان مقيما في البلاد، ولكن إن كان خارجها فستجده متربعا في صدر تلك الشاشات، لكنه ينقاد وبسهولة لا تصدق للوقوع في فخ الأسئلة الشخصية جدا، والتي يمكن أن تسبب له كارثة حقيقية، بما تعرضه من أسرار شخصية لتلك الممثلة أو ذاك الممثل، والمحاكم تغص بقضايا الفنانين بين بعضهم البعض، دون أن نغفل الدور الأساسي للبرنامج نفسه في إذكاء نار الخلاف، وفي الحقيقية هذا الحال لا يحصل في الشاشات المحلية، التي تلتزم أعلى المقادير الأدبية في التعامل مع ضيوفها، سواء كانوا نجوما، أو في بداية الطريق، عدا عن كونها، لن تعمل على استقطاب النجوم للحديث في الأحوال الشخصية الخاصة بهم، فالحديث سيكون محصورا في العمل أو في العنوان العريض الموضوع للحلقة، عدا عن كونها لا تهتم بنجومية هذا الاسم أو غيره، فالعملية الدرامية لا تقوم على الممثل فقط، لذا فإنها تذهب نحو المخرج والمصور وغيرهم من المشتغلين بالدراما عموما حتى غير التلفزيونية، إلا أنها لا تحظى بالمتابعة ذاتها أو حتى نصفها، تلك التي تحوزها البرامج القادرة على الدفع بألوف الدولارات لضيوفها، وهذا ما لا قدرة لبرامجنا عليه كما نعرف ولكن “شي منو ولا كلو كما يقال- على الأقل”، ورغم ذلك فإن أحدا من نجوم الدراما المحلية، سيلبي طلبها بكل مودة في كل مرة تتواصل معه، وبما أن برامجنا لا تذهب نحو الشخصنة والفضائحية التي تذهب إليها برامج الآخرين، فهذا يعني أنها تذهب لتقدم بكل جدية ما تريد أن تقدمه في شأن تطوير العملية الدرامية، والتي هي سلسلة متكاملة، لتلك البرامج فيها أثرها الذي لا يُستهان به، وهنا لدينا المشكلة التي من الواجب حلها، والتي تكمن في السؤال التالي: البرامج الدرامية  المحلية عموما، من يقدمها؟ من يقوم بإعدادها، فهذا الشأن وحده كفيل إما بمتابعتها أو العكس، والحال أن اغلب تلك البرامج، اقصد المحلية، يقوم إعدادها على الإعلام المكتوب، أو المقالات النقدية التي تناولت هذا العمل أو غيره في الصحف والمواقع الإلكترونية، وهذا جيد، أي أن تتم مراجعة أكثر من رأي في العمل الواحد، ولكن ما هو بحاجة إلى الاشتغال علية أكثر وبجدية ودون محاباة أيضا، هو المُحاور، ثقافته، سعة اطلاعه، معرفته العامة والخاصة، أسئلته الجوهرية، وإلى أي مدى هو قادر على جعل الضيف، أكثر تفاعلا وتجاوبا مع الحوار القائم، أيضا عدد الضيوف، الذين غالبا يكونوا أكثر من ضيفين، ليكون الحوار شاملا كما يتم الاعتقاد، فنجد كاتب العمل، مخرجه، بطله أو بطلته، و(ناقدا) دراميا، من الذين لا تتغير وجوههم غالبا، حاضرون في حلقة واحدة ، في الوقت الذي يجب أن يغيب كل من الكاتب والمخرج عن الظهور لسبب بسيط، وهو أنهما قالا ما يريدان قوله، ولا معنى لأي قول يقدمانه لم يحدث وأننا رأيناه في ذلك العمل أو غيره، كما يجب التأكيد على الهوية النقدية الدرامية لهذه البرامج، لأننا نشاهدها ببساطة تذهب نحو تقديم مالا علاقة له بالدراما أحيانا، وهذا يجعل موضوع اختصاصها الدرامي، غير مأخوذ من المشاهد على محمل الجد.

نحن اليوم على عتبة نهوض درامي بانت ملامحه بجدية في الموسم الدرامي المنصرم، وأي نهضة درامية هي وقولا واحدا، بحاجة إلى نهضة نقدية في مختلف وسائل الإعلام، التلفزيون منها تحديدا، ما هو موجود اليوم جيد بالإمكانيات المتوفرة، لكن الطموح بالأفضل، هو ما يحقق الأفضل.

تمّام علي بركات