الصفحة الاولىصحيفة البعث

في هزيمة مدوية لأردوغان.. إمام أوغلو يفوز مجدّداً في انتخابات اسطنبول

 

في هزيمة مدوية لرئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، بعد رفضهما الاعتراف بهزيمتهما في الانتخابات التي جرت في آذار الماضي على رئاسة بلدية اسطنبول، فاز مرشّح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو، أمس، مجدّداً على مرشّح حزب أردوغان، بن علي يلدريم، عقب فرز أكثر من 99 % من الأصوات، إذ أظهرت النتائج حصول إمام أوغلو على 54.1 % من الأصوات، وحصول يلدريم على 45.1 %، فيما حصل مرشحو باقي الأحزاب على أقل من 1%.
وكان أردوغان كرّر اعتقاده بأن “من يفوز باسطنبول يفوز بتركيا”، ولذلك فخسارة المدينة مرّة ثانية ضربة قاسية له، إذ تُضعف، ما بدا حتى وقت قريب، قبضته الحديدية على السلطة، وخاصة أنها المدينة التي بدأ فيها حياته السياسية باختياره عمدة لها في عام 1994، بالإضافة إلى أن اسطنبول هي العاصمة المالية والثقافية للبلاد، فضلاً عن أنها المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان، كما أنها تعدّ المحرك للاقتصاد التركي، وموطن مشاريع البنية التحتية المربحة بملايين الدولارات، وتسهم بثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ويعتبر فوز أكرم إمام أوغلو مرة ثانية في جولة الإعادة، التي دفع إليها أردوغان بشدّة ومارس ضغوطاً شديدة لإعادتها، نكسة انتخابية من العيار الثقيل وهزيمة مذلّة لرئيس النظام التركي، الطامح لترسيخ حكم استبدادي، وستفتح الباب أمام شروخ كبيرة في حزبه على ضوء تململ قيادات من الصف الأول رفضاً لسياساته.
ولم تهدأ حملات أردوغان الدعائية منذ الانتخابات السابقة، التي دفع بشدة لإعادتها على أمل إزاحة مرشح المعارضة، لكن نتائج الإعادة حسمت الأمر، ولم تبق للطاغية أردوغان هامشاً واسعاً من المناورة، على خلاف الظرف السابق الذي توفّر له للانقلاب على نتائج الانتخابات بدعوى وجود مخالفات انتخابية وموظفين في مكاتب الاقتراع موالون لغولن.
خسارة حزب أردوغان للمرّة الثانية تلقي مزيداً من الضوء، على ما وصفه إمام أوغلو، بأنه تبديد لمليارات الليرات في بلدية اسطنبول، التي تبلغ ميزانيتها حوالي أربعة مليارات دولار. وفي هذا السياق يقول الصحفي والكاتب مراد يتكين: “فوز إمام أوغلو مرة أخرى يعني أنه ستكون هناك سلسلة من التغييرات الخطيرة في السياسة التركية”، ويتابع قائلاً: “سيتمّ تفسير ذلك على أنه بداية تراجع لحزب العدالة والتنمية ولأردوغان أيضاً”، مشيراً إلى أن أردوغان نفسه وصف الانتخابات بأنها “مسألة بقاء”، ويضيف: “إن فوزاً ثانياً لإمام أوغلو قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إجراء انتخابات عامة قبل عام 2023 كما هو مقرّر، وتعديل وزاري، وربما حتى تعديل في السياسة الخارجية.
ويقول مراقبون: إن أردوغان متمسّك بالفوز برئاسة بلدية اسطنبول لأن المدينة توفّر لرئيس بلديتها موارد كبيرة جداً ومنبراً سياسياً من الدرجة الأولى، ويوضح الأستاذ الجامعي في أنقرة، بيرق أشين، أن اسطنبول “هي الوقود الذي يدير ماكينة حزب العدالة والتنمية”، ويضيف: إن بلدية اسطنبول “تنفق مليارات الدولارات على استدراج العروض العامة الخدمات، ما يجعل حزب العدالة والتنمية على اتصال مباشر مع الناخبين”.
وتقول أستاذة العلوم السياسية في أنقرة عائشة اياتا :”فوز مرشّح المعارضة إمام أوغلو، البالغ من العمر 49 عاماً، قد يؤدي إلى فوضى كبيرة داخل حزب العدالة والتنمية”، وتضيف: إن فوز مرشّح المعارضة سيقوّض صورة “الماكينة الانتخابية” التي لا تُهزم لحزب أردوغان، ويمكن أن يعزّز ذلك نزعات الانشقاق داخله، فيما اعتبر أشين أن فوز إمام أوغلو سيمنحه هالة وطنية من شأنها أن تهدّد زعامة أردوغان على المدى البعيد.
أما في حال فوز بن علي يلدريم، 63 عاماً، فإن عدداً من الخبراء يرون أنه سيكون “نصراً باهظ الثمن” لحصوله بعد إلغاء مثير للجدل للاقتراع الأول.
يذكر أن اللجنة العليا للانتخابات في تركيا رضخت لمطالب أردوغان، الساعي لأحكام قبضته وحزبه العدالة والتنمية على البلاد، وقرّرت إعادة إجراء الانتخابات البلدية في اسطنبول. ومع أن اللجنة علّلت قرارها بسلسلة من التجاوزات، حسب زعمها، إلا أن أسئلة تبقى مطروحة، خصوصاً عن سبب إلغاء انتخاب رئيس البلدية وحده، دون المستشارين البلديين، الذين ينتمي معظمهم لحزب أردوغان.
وكان مرشّح حزب الشعب الجمهوري، والفائز برئاسة بلدية اسطنبول في الانتخابات التي تتمّ إعادتها، تحدّى أردوغان، خلال تظاهرة انتخابية نظمها في مقر إقامته في منطقة أوسكودار، عشية الانتخابات، ودعا الناخبين للتوجّه إلى صناديق الاقتراع بكثافة و”التصويت من أجل الديمقراطية ووضع حد نهائي لنظام النهب والسرقات والظلم”، وبشّر أهالي اسطنبول بانتصار كبير في الانتخابات، وقال: “هذا لن يكون انتصارنا جميعاً من أجل اسطنبول، بل سيكون انتصار الشعب التركي بأكمله من أجل الديمقراطية الحقيقية، وإنهاء حكم العدالة والتنمية، الذي يحكم البلاد منذ 17 عاماً بالفساد والسرقات والمحسوبيات، التي دمّرت جميع مؤسسات الدولة”.
وفي وقت سابق، أكدت الرئيسة المشتركة لحزب الشعوب الديمقراطية، بارفين بولدان، وبعد الإدلاء بصوتها في الانتخابات، “أن انتصار المعارضة على مرشّح نظام أردوغان سيعني انتصار الديمقراطية في تركيا”، وأضافت: “أثبتت التطوّرات الأخيرة أنه ليس صعباً على القوى الديمقراطية أن تتفق على الحد الأدنى من الديمقراطية والمصلحة الوطنية”، داعية إلى احترام إرادة الشعب الذي سينتخب ليس فقط رئيساً لبلدية اسطنبول، بل رمز للديمقراطية، التي يحتاج لها الجميع في تركيا.