رأيصحيفة البعث

“ورشة المنامة”: بثلاثين من الفضة

 

 

يختصر اعتبار دبلوماسي سعودي أن “زمن الحرب مع إسرائيل انتهى وولى” ما يراد من “المنامة” وورشتها، فيما تختصر مشاركة ضابط “إسرائيلي” سابق “بوحدة تجنيد العملاء” في الورشة بصفة رجل أعمال، بعد استقالته من عمله، نظرة الكيان الصهيوني، ومن خلفها واشنطن، للمشاركين العرب في هذه الورشة!.
وبالطبع يمكن لأي كان ملاحظة الحمولة الرمزية الدالّة في الأمرين، فإضافة إلى كون الضابط، السابق، الأقدر والأجدر في التعامل مع من جنّدهم سابقاً، فإن دلالة مهمته الحالية مهينة وفاضحة، وهي، للتاريخ، أسهل بما لا يقاس من السابق، لأن العرض من العملاء أكثر مما يمكن توقعه، كما أنه عرض نوعي من صنف ملوك وأمراء ورؤساء وأولياء عهد، أما بالنسبة لما قاله الدبلوماسي، فإن الدلالة لا تتمثّل بحرفية الكلام، لأن النظام السعودي لم يطلق، في تاريخه، رصاصة واحدة من ترسانته الهائلة على “إسرائيل”، بل في كونه جاء أولاً من على صفحات صحيفة “إسرائيلية”، وكونه، ثانياً، يأتي في سياق تعاون سعودي “إسرائيلي” كبير في معارك وحروب قائمة ومستمرة، ولن تنته، ضد “الأشقاء” في اليمن وسورية وو..، كما لصالح حرب “مشتهية” ومأمولة ضد إيران وقوى المقاومة كلها.
بيد أن الدبلوماسي المذكور تجاوز قضية حسم إنهاء الحرب، واستغل فرصة الصحيفة “الإسرائيلية” ليساهم في توصيف، وتكريس موانع معينة لحلّ القضية الفلسطينية، كما يفعل الكثيرون، فإذا كان “جاريد كوشنر” يرى أن المانع الرئيس اقتصادي، وبالتالي يمكن لحفنة من الدولارات – خمسون ملياراً يدفعها الخليجيون، ويذهب الفتات منها لفلسطين – أن تحقق خطة “السلام من أجل الازدهار” التي تظلل “المنامة” اليوم، فإن الدبلوماسي يضيف سبباً مانعاً آخر، وهو نفسي فيمكن، كما يقول للصحيفة المذكورة، “أن يكون من الصعب على الفلسطينيين الخروج من صورة الضحية الأبدية”، وبالتالي، وفق مدلولات كلامه، الحق على الفلسطينيين أنفسهم الذين يحبون، هكذا ومن دون سبب، صورة الضحية الأبدية، وتلك – بتصرف – مشكلة مازوخية واضحة، حلّها بأيديهم أو بأيدي طبيب نفسي ماهر فقط لا غير، إذاً، وبحسب “كوشنر” المخطط، والسعودي المموّل، لا طابع وطنياً تحررياً للقضية الفلسطينية، بل هي مشكلة مالية ونفسية، وذلك، للتاريخ، حصاد الخطيئة المؤسسة التي زرعها “اتفاق أوسلو”، كما يقول الكاتب المصري “عبد الله السناوي”، وهي بيع فلسطين بـ”ثلاثين من الفضة”.
وأمام هكذا مقدّمات لـ”الورشة” العتيدة، فلن يستغرب أحد حين تكون أولى نتائجها: “افتتاح سفارة إسرائيلية في المنامة” وثانيها: “جعل العاصمة البحرينية منصّة وقاعدة انطلاق لما يسمّى أميركياً خطّة السلام الشاملة” في المنطقة، ثم، بحسب آمال كوشنر وأتباعه العرب، تُحَلّ القضية الفلسطينية، وتعيش المنطقة في سلام وأمان رغم بعض “المخربين” من هنا وهناك، وهؤلاء سيتعامل معهم، بما يستحقون، “الحلف الإسرائيلي العربي” القادم..!!، وذلك، للحق، صك استسلام كامل الأوصاف والأركان.
والحال فإنه ومنذ زمن طويل والواقع العربي يحفل بـ”ظواهر مدهشة”، لكننا نشهد اليوم أغرب تجلياتها: النائمون العرب عن قضاياهم الحقيقية يتوزعون اليوم بين أقلية ملحوظة تجتمع في “المنامة”.. وأغلبية ساحقة تتابعهم خارجها، والحق أن “اعتيادنا” على الظواهر المدهشة كان أمراً مخططاً له حتى نصل إلى هذه المرحلة التي لا تخرج فيها مظاهرة شعبية واحدة وازنة، وفاعلة، في أي عاصمة عربية ضد بيع فلسطين، وهو مخطط طال السياسة والاقتصاد والاجتماع واللغة وطرائق التعبير التي أصبحت خشبية – بينما ما يقال في “المنامة” ذهبي..!!- فالعاصمة التي ليست مشغولة بمشاكلها مشغولة بإشغال بقية العواصم عن فلسطين، وعن قضايا العرب الحقيقية كلها.
خلاصة القول: “ورشة المنامة” وما سبقها وما سيلحقها، محنة حقيقية لا ينفع معها القول إنها ساقطة لا محالة، وإنها ستستثير رد فعل مقاوم عنيف، فهذا القول، إن صحّ، يحتاج إلى فعل لتحقيقه، وهو ما يبدو بعيداً اليوم نظراً للحجم الهائل للنائمين خارج “المنامة” عن الحق والمصلحة وعن الخطر الداهم، وتلك محنة قاتلة للمستقبل أيضاً، الذي سيقال فيه، إذا لم نخرج منها، هناك عرب بلا شك، ولكنه سيكون توصيفاً بيولوجياً فقط، أما حضارياً..؟؟!!
أحمد حسن