ثقافةصحيفة البعث

“درس قاسي”.. البحث في الأصول السيكولوجية للعنف

الورطة تأتيك عندما تحضر وترى أنك محاصر بالعديد من الأسئلة، هل الإنسان فعلاً بالفطرة قادر على الشر أم أنه مكتسب، ما هي تلك الفروق التي تفصل بين الرحمة والقسوة واتخاذ الموقف الأخلاقي الملائم.

ساعة ونصف تقريباً من الدرس القاسي على خشبة مسرح مدرسة الفن  في جرمانا كانت كافية لإخراج العديد من المشاعر والأحاسيس والأفكار، فعلى الرغم من بعد المنطقة وصغر المكان وقلة الإمكانيات إلا أن مخرج المسرحية ومدير المدرسة سمير عثمان الباش كان قادراً على جعل المكان يناسب خطوط مسرحيته “درس قاسي” المأخوذة عن النص الروسي للكاتب “فالنتين كراسنوغوروف”، الذي  يبحث في الأصول السيكولوجية والاجتماعية للعنف والقسوة، ويبين الحدود الرفيعة التي تفصل بين الأفعال الأخلاقية وغير الأخلاقية التي يمارسها الفرد في المجتمع. يجلس المشاهد وكأنه جزء من المسرحية، يبدأ الدرس عندما تدخل لورا ويزن “توليب حمودة، كرم حنون” الطالبان المتفوقان في كلية علم النفس إلى مختبر الجامعة للمشاركة في تجربة يقيمها د. إبراهيم “أوس وفائي”، يجلس الطالبان ومن خلال الحوار نستطيع اكتشاف قصة الحب التي تجمعهما وتحمل في ثناياها العديد من علامات الاستفهام وعدم التفاهم، وخاصة “يزن” الذي لا يستطيع الخروج من عباءة التبعية لسلطة الأب المفروضة عليه في أغلب المواقف جاعلة منه غير قادر على اتخاذ قرارات هامة بشأن حياته ودراسته، فنرى بوضوح شخصيته المهزوزة عندما يأتي الدكتور ويطلب منه اختباراً لإثبات مقدار محبته للورا فيقف عاجزاً ويطلب الإجابة من الدكتور.

تتضمن التجربة تناوب كل واحد على أخذ دور الأستاذ “لورا ويزن”، وستكون الطالبة “إليسا- فرح الدبيات” التي يقدمها إبراهيم على أنها زميلته تحمل شهادة الماجستير في علم النفس الاجتماعي، وتخضع مقابل مبلغ من المال للتعذيب على كرسي كهربائي، ويحاول كل من “لورا ويزن” تحفيظها مقطعاً شعرياً مكوناً من عشرة أسطر من مسرحية تاجر البندقية لشكسبير، وستعاقب الطالبة في حال لم تستطع الإجابة بضربات كهربائية تبدأ من 20 فولتاً وتتنهي بـ300.

تحاول لورا في التجربة تعليم “إليسا” إلا أنها أخفقت، فتقوم بتشغيل ضربات الكهرباء “80 فولتاً” ثم تتوقف غير قادرة على إكمال التجربة الفظيعة، وفي الوقت ذاته يحاول الطبيب تقديم مغريات مادية لمعرفته بوضعها المادي المتأزم، وتهديدها بالرسوب في المادة مع معرفته بتفوقها وحرصها على علامات عالية والفصل من المنحة إلا أن “لورا” تصر على موقفها بالرغم من حبها للدكتور وغيرتها الواضحة من “أليسا” وتخرج حاملة حقيبتها.

يدخل “يزن” ليقدم دوره في التجربة دون علمه بما حصل مع “لورا” التي اتفقت مع الدكتور قبل دخوله من غرفة مجاورة ما الذي سيقوم به، يختار مقطعه الشعري، ويبدأ في تعذيب ضحيته، في البداية كان الأمر صعباً عليه إلا أنه بعد محاولة إقناع صغيرة من الدكتور وقليل من الضغط “استشرس” في محاولة إرغام الفتاة على الحفظ، وبدأت تناشده بإيقاف الدرس واستمرار الضربات الكهربائية حتى تصل إلى 300 فولت وتنتهي بموت “إليسا”.

تدخل “لورا” وتحاول الاتصال بالإسعاف، وهنا تعود “إليسا” إلى الحياة وتظهر تفاصيل التجربة، وتظهر مسرحية داخل المسرحية، فالحيلة التي قام بها الدكتور مع “إليسا” خريجة المسرح كانت لإظهار تأثير فعل “الطاعة” على الإنسان وجعله مغيب العقل أحياناً ذاهباً إلى أقصى حالات التطرف.

عند معرفة “لورا ويزن” أنهما ضحية تجربة قام بها كل من إبراهيم وإليسا على العديد من الأشخاص تفقد لورا الوعي وتتساءل هل يحتاج العلم إلى هذا النوع من التجارب ليبرهن مدى قبح العنف الممارس على الناس؟، أما يزن فكان حانقاً وبسرعة قام برمي اللوم على إبراهيم فهو المحرض الأساسي، وأنه من طلب فعل ذلك إلا أن تلك المبررات سقطت أمام معرفته بأن “لورا” لم تكمل التجربة.

تستعرض المسرحية فكرة العنف من منظورين، الأول تسليط الضوء على مظاهر العنف التي تمارس في المدارس تحت تبرير “أن العلم يتطلب التضحية والتربية الجيدة تأتي من الصرامة والشدة”، فمن محاولة الطبيب إقناع طالبته بمتابعة التجربة، وعرض مقاطع لأطفال يتم تعذيبهم من قِبَل مدرسيهم، والثاني كيف أن الإنسان قادر على القيام بمظاهر العنف بكل أشكاله وخاصة عندما يكون المبرر “هناك من قال لي افعل هذا”.

في المسرح نرى الجمهور منفعلاً جداً من كثرة التعذيب والحالة التي تملكت ذلك الشخص لمجرد تلقيه الأوامر بذلك، فالغريب أن الإنسان قادر على صنع العديد من التبريرات الوهمية ليكمل تعذيبه مع أنه لو لم يكن في ذلك الوضع لاستطاع أن يدين الشخص الآخر ويلومه على ذلك العنف اللامتناهي.

في نهاية المسرحية يبقى العديد من الأسئلة حاضرا”: من هو المذنب الحقيقي؟ هل هو الطالب الذي سمع تعليمات أستاذه؟ أم الدكتور الذي مارس سلطته واستخدم عن قصد كل أساليب الضغط فكانت النتيجة تحويل الطالب إلى مشروع مجرم.

عُلا أحمد