رأيصحيفة البعث

ورشـــــة الفشـــــل

لا غرابة في حصول إجماع دولي تقريباً على فشل ورشة المنامة. فالفشل كان متوقعاً، وكان رفض الطرف الفلسطيني المشاركة في الورشة كافياً لإفشالها، فكيف وقد قاطعتها معظم الدول العربية والأجنبية..
صحيفة الغارديان البريطانية وصفت الخطة الاقتصادية التي طرحها مستشار الرئيس الأمريكي وصهره كوشنير بالمسرحية الهزلية التي تستحق الاستقبال الساخر الذي لاقته.
وأضيف إنها مسرحية عبثية أيضاً حاولت وضع العربة قبل الحصان، فكان الحديث عن الاقتصاد والتنمية، وإطلاق الوعود، والإغراء بمليارات الدولارات في منطقة، يعرف العالم كله، أن مشكلتها الرئيسة التي تشكّل تهديداً مستمراً للأمن والاستقرار والتنمية فيها هي وجود الكيان الصهيوني المحتل، وأنه ما لم ينته هذا الاحتلال، وما لم تعد الحقوق لأصحابها كاملة غير منقوصة، فإن كل كلام معسول عن الازدهار والتنمية هو نوع من النفخ في القرب المثقوبة.
والأنكى من تجاهل هذه الحقيقة هو أن خطة الصهيوني كوشنير نصت على وهب الكيان الصهيوني النصيب الأكبر من المليارات المقترحة، ومنح الباقي للدول العربية المعنية كقروض، مما يدخل تحت عنوان: الضحك على اللحى، ويزيد من إغراق تلك الدول في وحل المديونية…
لا أحد إذاً يستطيع تصديق نكتة الوعود المليارية التي أغدقها صهر ترامب على منطقة، لم تكد الورشة التي انعقدت للنهوض باقتصادها المزعوم تُختتم، حتى كانت “إسرائيل” تقتحم العيساوية في القدس، وتقتل، وتعتقل سكانها العرب على عادتها منذ اغتصاب فلسطين.
أغلب الظن أن هدف الورشة الحقيقي كان تحقيق إنجاز جديد في مجال التطبيع، بل قل التحالف بين “إسرائيل” وبعض الدول الخليجية على خلفية العداء المشترك لإيران، فضلاً عن إرضاء اللوبي الصهيوني الأمريكي الذي يحتاج ترامب إلى دعمه في الانتخابات القادمة، ولعل الصهاينة كانوا متأكدين من أن ورشة المنامة هي جعجعة بلا طحين. لذلك لم يولها إعلامهم كبير اهتمام، وآثر التركيز على ما رأى فيه إنجازاً تطبيعياً يستحق الإبراز، ولاسيما المقابلات التي أجراها مع وزير الخارجية البحريني، والصورة التي التقطها ذلك الصحفي الصهيوني لنفسه (سيلفي) أمام الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع، والتي كان يمكن لها أن تشكّل انتصاراً رمزياً للصهاينة في معركة التطبيع، لولا مسارعة البحرينيين الشرفاء إلى الرد عليها بفعل رمزي أكثر تأثيراً عندما قاموا بتنظيف المكان من التلوث الذي ألحقه به الصحفي الصهيوني، معربين بذلك عن تمسكهم بمقاومة التطبيع، ونصرة قضية فلسطين.
نعم لقد فشلت ورشة المنامة، وفشلها مؤشر هام على أن مصير “صفقة القرن الترامبية” لن يكون أفضل. وبقدر ما أظهرت الورشة مدى خيانة بعض الأنظمة الخليجية لفلسطين، فإنها أظهرت بالمقابل أن هؤلاء لا يمثّلون الموقف الرسمي والشعبي، كما تجلّى في الكثير من الأقطار العربية، وعبّر تعبيراً قوياً عن أن قضية فلسطين مازالت، رغم كل الجهود المعادية التي بُذلت لطمسها، تسكن الوعي العربي، وتحرّك الجماهير على امتداد الوطن الكبير ضد التطبيع مع العدو، وضد كل محاولة لتصفية القضية تحت أي عنوان، ومهما كانت قوة ضغوط الترغيب والترهيب.
وكم كان معبّراً موقف ذلك الضيف العراقي الذي سأله المذيع على شاشة إحدى القنوات العربية عن رأيه فيما أوردته بعض التقارير عن أن إيران تقف وراء تظاهرات العراقيين ضد ورشة المنامة واقتحامهم سفارة البحرين، حيث رد الضيف بالقول: كان العراقيون منذ اغتصاب فلسطين يقفون دائماً معها، وهذا جزء من تكوينهم الثقافي والسياسي والوجداني الذي لا يتغيّر، فهل كانت إيران هي سبب ذلك؟!.
نعم قضية فلسطين هي قضية العرب المركزية في سورية كما في العراق، وفي اليمن كما في المغرب، وفي تونس كما في لبنان، وفي الجزائر وموريتانيا كما في الكويت.. فلسطين كانت، وستبقى كذلك إلى أن يستعيد شعبها أرضه المغتصبة بكل أشكال الكفاح، وفي مقدمتها الكفاح المسلّح بدعم كامل من الشعب العربي ومحور المقاومة.. وأمّا ما يريد السماسرة فرضه من صفقات وورشات وغيرها من مسميات لتصفية قضيتها المقدسة فلن يمر.
محمد كنايسي