دراساتصحيفة البعث

قواعد “النظام الدولي” لم تعد حكراً على أمريكا

ترجمة: عناية ناصر
عن موقع غلوبال تايمز 29/6/2019
عندما تغتاظ أوروبا والولايات المتحدة وبعض الدول المجاورة من الصين، فإنهم يستخدمون مصطلح “النظام القائم على القانون”، فكيف تتعامل الولايات المتحدة مع بارامتر النظام القائم على القواعد؟.
تُظهر الدراسات في السياسة الدولية أن المجتمع الدولي هو فوضى منظمة، ولا توجد آلية لإدارة هذا المجتمع. بشكل عام، من سلام ويستفاليا إلى الحرب العالمية الثانية، كان هناك نظام قائم على القوة في العالم، وقد حدّدت القوى الأوروبية، التي سيطرت على النظام الدولي، مجال نفوذها في العالم باستخدام الحروب أو معاهدات السلام، كان هذا التغيير في القوة السبب الرئيسي للحروب بين القوى العظمى.
مع الزيادة الحادة في عدد البلدان، ونمو البلدان النامية، والمنافسة من بعض البلدان الكبيرة، انخفض تأثير الولايات المتحدة على بعض القواعد الدولية. إلى جانب ذلك، تآكل اهتمام الولايات المتحدة ببعض المنظمات الدولية وأصبحت واشنطن غير راغبة بشكل متزايد في الوفاء ببعض التزاماتها الدولية والمساومة أكثر وأكثر للتراجع عن هذه الالتزامات. ونتيجة لذلك، فإن الولايات المتحدة مستحق عليها متأخرات بالملايين للأمم المتحدة، بينما تطالب حلفاءها بزيادة الإنفاق العسكري!.
بالنسبة لنظام دولي لا يجلب لواشنطن فوائد كثيرة، فإن الموقف الأمريكي واضح: الانسحاب، على سبيل المثال، اتفاقية باريس للمناخ، وإنهاء نظام بريتون وودز، وعدم المشاركة في الاتفاقيات الثنائية الأخرى وإنما توقيعها، ومن الأمثلة النموذجية على ذلك المحكمة الجنائية الدولية، وعدم المشاركة فيها ولكن تفسيرها بطريقة تعود بالفائدة عليها مثل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، المطالبة بمعاملة خاصة في البداية والانسحاب عند عدم تلبية شروطها، مثل محكمة العدل الدولية، والانسحاب من المنظمات التي يتناقص فيها نفوذ الولايات المتحدة مثل اليونسكو ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. تاريخياً، كانت الولايات المتحدة دائماً براغماتية في التعامل مع النظام الدولي، لكن العزلة التي طغت على واشنطن، ومذهب مونرو الذي ساد لأكثر من نصف قرن، و”النقاط الأربع عشرة” التي وضعها وودرو ويلسون، و”الحريات الأربع” التي وضعها فرانكلين روزفلت، هي حالات مهمّة. لا يهتمّ الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب بجداول الأعمال مثل القيادة والقيم العالمية، إذ تهدف سياسة “أمريكا أولاً” إلى العودة إلى التقليد البراغماتي بطريقة غير مقصودة، بهدف تعويض “ضحايا العولمة” في البلاد وإعاقة المنافسين الأقوياء.
لتحقيق ذلك، يستخدم أدوات السياسة المختلفة بشكل انتقائي: ففي قطاع التصنيع التقليدي، يشدّد على “التجارة العادلة”، وفي صناعات الخدمات مثل التمويل والصناعات المتطورة التي تتمتّع بها الولايات المتحدة، يشدّد على “التجارة الحرة” ويتخلّى عن “التجارة العادلة”، وبالنسبة للصناعات الأمريكية التي لا يمكن أن تحقّق مكاسب سواء من خلال “المنافسة الحرة” أو “المنافسة العادلة”، فهو لا يتردّد في استخدام الوسائل السياسية والقانونية لدعم الشركات الأمريكية وقمع المنافسين.
إن إجبار التصنيع على العودة إلى الولايات المتحدة، وتشجيع الدول الأخرى على الاستثمار في البلاد وعقاب شركة “هواوي” هي السياسات ذاتها في هذا السياق.
في هذا الصدد، فإن للولايات المتحدة سوابق قبل ترامب، وهي تشمل قمع الولايات المتحدة لليابان “بلازا أكورد” في عام 1985، و”الحصة الطوعية” لتصدير السيارات إلى الولايات المتحدة في عام 1991، وفي خضم الأزمة المالية الآسيوية عام 1998، اتهمت الولايات المتحدة الحكومة الماليزية بتبني ضوابط رأس المال ودعم الشركات. وخلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، استثمرت الولايات المتحدة بشكل صارخ في وول ستريت وصناعة السيارات على أساس “ألا يسمح لها بالإفلاس”. إن وجود معايير مزدوجة للشؤون الدولية والداخلية هي سمة رئيسية للولايات المتحدة، والحزبين الديمقراطي والجمهوري كذلك. هذا مثير للسخرية بالنسبة للقوة العظمى التي تشدّد على “القواعد الدولية”.
باختصار، القواعد الدولية ليست محايدة، لأن البلدان الأوروبية والولايات المتحدة تهيمن على قواعد النظام الحالي، أما البلدان من الحضارات الأخرى فهي جهات مشاركة ومتلقية فقط. في أيامنا هذه، أصبحت الاقتصادات الناشئة التي تمثلها الصين المساهم الرئيسي في النمو الاقتصادي العالمي، لم تعد تقبل بمجرد دور “المتلقي”، وتطالب بالمساهمة وجني المكاسب، وهو بلا شك أمر مبرّر. ومع ذلك، فقد أثبت النظام الحالي أنه من الصعب التكيّف مع هذا التغيير. وبالتالي، فإن هذا النظام سيتصدع لتلبية احتياجات التعاون والمنافسة بين الحضارات.