ثقافةصحيفة البعث

الدراما المحلية ونظـام الـ”تيتـي تيتـي”

واحد من القرارات التي تم اتخاذها منذ أعوام قليلة، من قبل العديد من الممثلين والمنتجين والمشتغلين بالدراما المحلية وبحضور رسمي متمثلا بوزارة الإعلام، كان ألا يبقى الموسم الدرامي التلفزيوني محصورا في شهر الدراما الرمضاني، خصوصا أن هذا السوق هو سوق عكاظ الدراما بأنواعها، سواء كانت مسلسلات سورية وعربية و ما يسمى بـ”البان آرب”، على اعتبار أن لدينا دراما مهاجرة أيضا، يتم صنعها بأيدي السوريين، من مخرجين وكُتاب وممثلين وفنيين الخ، وهذا القرار لو وصل تنفيذه إلى مراحل متقدمة، لكان قد قلب الطاولة على أي محاولة لتهميش الدراما المحلية ومقاطعتها من قبل محطات وازنة الثقل في العرض والمتابعة الجماهيرية، والجيد في الموضوع، أن هذا القرار أو الاقتراح، لقي إجماعا عاما من الحضور، لكن هل تم تنفيذه فعليا؟ وهل اقتنعت شركات الإنتاج المحلية، بشقيها الرسمي والخاص، بالعمل على إعطاء هذا المقترح فرصة للتنفس وفق الزحمة التي اكتظت بها أجندات تلك الشركات أو الممثلين الذين هم عماد هذه الصناعة؟

الاقتراح، كان من البنود العديدة التي خلصت إليها الندوة بل الندوات، التي انعقدت للعمل لسبب واحد فقط وهو إنقاذ الدراما المحلية، والتي يربط البعض من أهل ذلك الدهر، أن تراجعها بدأ بعد الحرب على البلاد، لتبرير ما مرّ من سوء عليها كصناعة وطنية، لا تقل أهميتها عن أي صناعة أخرى، بل ربما كانت في زمن مضى، من الصناعات الثقيلة والإستراتيجية التي تدر قطعا أجنبيا لا يُستهان به، وفي الحقيقة التراجع أو التدهور لدرامانا، بدأ بشكل تقريبي منذ بداية عام 2006، وهذا حديث آخر، فالحرب صارت مشجبا، يُرمى عليه أي فشل، وجميعنا سمعنا بهذه العبارة الذهبية لأصحابها وهي “إنهم يقاطعون الدراما المحلية”، في الوقت الذي قامت فيه العديد من المحطات الفضائية وأهمها، بعرض العديد من المسلسلات السورية، لكن الحجة بقيت عالقة كسنارة في حلق سمكة، لا هي خرجت من الماء، ولا الصياد تعب أكثر لإخراجها. قرار الصناعة الدرامية والعمل على توزيعه على محطات أخرى بغرض عرضه خارج الموسم الرمضاني، كان من الواجب تفعيله والعمل على جعله واحدا من مقومات نهوض الدراما المحلية، فالمحطة المحلية، التي تعرض ولأول مرة مسلسلا جيدا، في الوقت الذي تعيد فيه اغلب المحطات العارضة، ما قامت بعرضه في الموسم الدرامي، سوف تكون محط أنظار الجمهور المتطلع لكل ما هو جديد، وتلقائيا سترتفع نسبة مشاهدة العمل الجديد، على حساب ذاك المُعاد عرضه، وإن كان الأمر يحتاج لبعض الوقت والاشتغال الإعلامي الذكي، على لفت انتباه الجمهور لهذا التغيير.

لكن ما حدث أن هذا القرار تم العمل به جزئيا، وذلك بعرض الأعمال ذات الجودة الفنية المنخفضة على شاشاتنا، ما جعل الجمهور يقاطع تلك البضاعة الكاسدة، مُرسخا في ذهنه أكثر فأكثر، أن لا دراما جيدة إلا في رمضان، وكان من الهام والهام جدا، أن تكون أفضل الأعمال الدرامية، هي من يحتل شاشاتنا وفي وقت الذروة للعرض، وهذا ما لم يحدث، وبهذا يكون هذا الاقتراح، الذي لاقى كما أسلفنا إجماعا عاما من أهلها وبحضور رسمي من وزارة الإعلام، قد تم نسفه، فالجمهور لا يتابع كل ما يرمى له، والعمل المنخفض الجودة الفنية عموما، سوف لن يجد من يتابعه، ومن لديه شك في هذا، فليتابع نسبة المشاهدة المنخفضة جدا لما يتم تقديمه! والحجة جاهزة سلفا لهذا الفشل، وهو يكمن في الاقتراح الثاني الذي تبناه أيضا جميع الموجودين، وهو إيجاد قنوات عرض محلية، ترفع على أكتافها هذا العبء، وهكذا بقينا ندور في حلقة مفرغة في تحديد طبيعة المشكلة، فهل هي في عدم وجود مسلسلات تشد المتابع عند عرضها خارج الموسم الرمضاني؟ أم بعدم وجود محطات محلية متخصصة، تقوم بتقديم تلك الأعمال كما يجب، وبالجودة المطلوبة، وغيره من الأسباب التي كانت السبب في هذا التراجع.

القصة أن العديد من المحطات قامت بالذهاب نحو عرض العديد من المسلسلات خارج سوق عكاظ الدرامي، ولكن تلك المسلسلات لم تكن إلا هي ذاتها التي تم عرضها سابقا وحققت نجاحا لافتا ضمن عروض الموسم، أما تلك المسلسلات التي لم تأخذ فرصتها في الظهور، فقد بقيت “مكانك راوح”، لم يتم العمل الترويجي اللازم لهذا العمل أو ذاك، وهذا خطأ فادح، فكيف ستلفت انتباه الجمهور لمسلسل جديد يتم عرضه، بينما هناك مسلسلات عدة أحبها وتفاعل معها يتم عرضها على محطات ثانية، منها محطاتنا! ما يدل على غياب التنسيق في هذا الشأن، والمقترحات التي لم تعد تساوي الحبر الذي كُتبت فيه، أخذها “القاق” وطار.

المشكلة هي أننا مضطرون للبداية من الصفر، في كل مرة نسعى فيها لمد حبال الإنقاذ لما اتفقنا جميعا على تراجعه من أعمالنا المحلية، وكأن ندوات نقاش الأمس التي تمت إقامتها في أفخم الفنادق المحلية، ومحاولات الأمس، والدولارات الكثيرة التي صُرفت بهذا القصد، صارت من الماضي، وذهب معها كل ما خرج منها، أو كما يقال باللهجة الشامية المحببة: “تيتي تيتي، متل ما رحتِ جيتي”.

تمّام علي بركات