اقتصادصحيفة البعث

الإصبع على الجرح

التشاركية إجراء اقتصادي واجب التنفيذ، وخاصة بعد أن تم اعتماد تشريعه، وإن يكن لازماً لدرجة ما مع أطراف دولية – وتحديداً الصديقة منها – لاعتبارات سياسية واقتصادية، وخاصة في المشاريع الكبرى، فهو لازم لدرجات كبيرة بين الأطراف الداخلية، فالتشاركية الوطنية الداخلية هي الأولى والأجدى، والتي تبدأ بتلاقي الطاقات الوطنية بأطرافها الثلاثة، الحكومة بكامل إداراتها، والقطاع الخاص الوطني الفردي – الموجود والمغترب – بكافة شرائحه وتنوعه، والاتحادات والمنظمات المحلية بجميع أنواعها.

هذا التلاقي التشاركي كان محدوداً بل مهدوداً خلال العقود الماضية إلى حد ما، أكان ذلك بما يخص كل طرف، أو التلاقي بين اثنين أو الثلاثة معاًَ، فمحدودية الدور الأحادية كانت تتنامى خلال العقود الماضية لدى كل طرف، بدليل أن الحكومة تراجعت تدريجياً عن بعض دورها في الإنتاج، فالعديد من مؤسساتها الإنتاجية توقفت أو ألغيت، أو تقزَّم حضورها، ولم تنجز الإصلاح الذي وعدت به بشأن التردي التتابعي الذي شكت منه بعض مؤسسات القطاع العام الصناعي الإنتاجي، وكذا الحال في بعض مؤسساتها في القطاع الإنشائي، والتي كثير منها تأخرت في تنفيذ تعهداتها، وتأخرت في صرف رواتب عمالها، أو لجأت لتلزيم بعض أعمالها إلى القطاع الخاص الفردي، هذا القطاع الذي غادر كثير منه القطر، وخاصة الشريحة الإنتاجية منه، عدا عن آلاف منشآته التي سرقتها أو دمرتها الجماعات الإرهابية، أما قطاع الاتحادات والمنظمات – بأنواعها- فقد كان بعيداً عن الدور الإنتاجي، واقتصر حضوره إدارياً وتنظيرياً، بمواجهة الحكومة طالباً عونها، أو مطالباً أعضاءه المنتسبين بتسديد التزاماتهم المالية، عدا عن حضور يسير لبعضه في الجانبين الإنتاجي والخدمي، ولكن بما لا يسمن ولا يغني من جوع.

مدعاة للسرور أن الطرف الحكومي، المعني بما تعانيه منشآت القطاع العام الإنتاجية المتعثرة أو المتوقفة، غير غافل عنها، بل يوليها اهتمامه، بدليل أن بعض منشآت القطاع العام تتماثل إلى الشفاء، والبعض الآخر قيد الدراسة المتأنية، بما يتوافق والحالة الخاصة لكل منشأة، والحالة الاقتصادية الوطنية العامة، والأمل ألا يطول وقت المعالجة، أما بخصوص منشآت القطاع الخاص الفردي، فالتعافي متتابع، وحتى الآن أكثر من نصفها ( /80/ ألف منشأة صناعية من أصل /130/ ألف منشأة ) عادت للعمل، نتيجة الدعم الحكومي والتسهيلات التي تم تقديمها، حسبما أفاد مؤخراً رئيس اتحاد غرف الصناعة، والذي جدد التذكير بأهمية تعزيز الدعم المقدم لإعادة تأهيل المناطق الصناعية المتضررة، وتوسيع الشريحة المستفيدة من محفزات التصدير، وإحداث صندوق إقراض وطني بفائدة تشجيعية للصناعيين، والإسراع بإصدار قوانين الاستثمار، والتشريعات المحفزة لاستقطاب رؤوس الأموال الوطنية من الخارج، ومتابعة معالجة القروض المتعثرة.

ولم يغب عن بال الحكومة الدور المطلوب من الطرف الثالث المتمثل، بالاتحادات والمنظمات التي بادرت لعقد الاجتماع الموسع الذي عقد؛ فقد بادرت رئاسة مجلس الوزراء قبل أيام لعقد اجتماع موسع بين الفريق الحكومي – ممثلاً بوزراء الزراعة والإدارة المحلية والاقتصاد والصناعة والتجارة الداخلية والمالية والسياحة والأمين العام لمجلس الوزراء وحاكم مصرف سورية المركزي، واتحادات غرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة والحرفيين، التأسيس لمشاركة وتشاركية وطنية، تسهم في تحقيق تنموية فاعلة ترفع من كميات المنتجات الوطنية، بغية إضعاف وزن كفة الاستيراد، والدفع باتجاه رفع وزن كفة التصدير، بما يساعد في التخفيف من الأعباء المعيشية التي فرضتها العقوبات الاقتصادية الجائرة بحق سورية على المواطنين، وقد شهد الاجتماع المذكور ارتياحاً لما حصل من تعافٍ منشآتي على كافة الأصعدة حتى تاريخه، مع المطالبة بالمزيد من الدعم المقدم لتدوير عجلة الإنتاج، ومن المفترض أن يترتب على هذا الاجتماع، حضور ميداني إنتاجي لهذه المنظمات الكبيرة الخمس، اعتماداً على استثمارها الذاتي المباشر لرصيدها من الأموال المنقولة وغير المنقولة، عبر عقود تشاركية تنظمها مع الطرف الحكومي لاستثمار بعض منشآته المتعثرة أو المتوقفة، إلى جانب العمل للتأسيس لمشاريع إنتاجية جديدة، بحيث تكون المشاريع مختارة بما يتناسب ومجال عمل كل منظمة، فالمشاريع الزراعية لغرفة الزراعة والصناعية لغرفة الصناعة وهكذا، خاصة أن السيد رئيس مجلس الوزراء شدد على أن المرحلة الراهنة تتطلب تعزيز روح المبادرة لدى كافة الاتحادات لاستقطاب الاستثمارات والمشاريع التي من شأنها دعم الاقتصاد المحلي، وهي مسؤولية تتشارك فيها مع الفريق الحكومي بكافة مكوناته.

ولكي يتم وضع الأصبع عل كامل الجرح، حبذا أن تعمل رئاسة مجلس الوزراء، لعقد اجتماع مماثل مع اتحاد العمال واتحاد الفلاحين، ونقابة المهندسين ونقابة المعلمين ونقابة الأطباء، ولاحقاً اجتماع آخر مع بقية المنظمات والاتحادات، بغية زجها جميعاً في الميدان الإنتاجي، لمعرفة مدى قدرتها على تحقيق ما تطالب الدولة به، ونقلها من موقع المطالِب إلى موقع المطلوب منه، عبر استثمار طاقاتها المادية والبشرية في الإنتاج السلعي، لا الاقتصار على استنزاف كامل طاقاتها في الدور الإداري والخدمي.

عبد اللطيف عباس شعبان

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية