ثقافةصحيفة البعث

تاجـــــر الرغبـــــات

 

كل ما أعرفه عن التجارة أنها بيع و شراء فقط، بيع ما نملك مقابل ما لا نملك، وأعتقد أنها الصيغة النهائية لمفهوم التجارة عند كل البشر.
أما ابنتي الصغيرة، فهي زبونة دائمة لمحل العم شكري بائع اللعب، الذي بادر منذ فترة قريبة للإيقاع بها وجعلها تتضور لأخذ النقود وتصريفها عند شكري مقابل لعبة لا تلبث أن تنكسر وينتهي بها الأمر بسلة القمامة بعد قليل من الوقت.
شكري المبتسم دائماً في وجهي لا أعيره أي اهتمام ولا حتى أوادعه بسلام صباحي كي لا يشعر بأنه مصدر سعادة لفتاتي الصغيرة.. عليه أن يدرك أن ما يفعله سيؤدي في نهاية الأمر إلى نزاع قد يكون مسلحاً إذا لزم الأمر.
أوعزت إلى زوجتي أن تخطط لإلهاء ابنتي تالة بأي وسيلة كانت، فالأمر زاد عن الحد المقبول وباتت تالة منشغلة بشكل مفرط بما يعرضه العم شكري على واجهة المحل، وقد بدأت أدعو الله أن يخلصني من شكري وألعابه التي أبعدت تالة عن ملاقاتي بضحكتها والارتماء في حضني بعد يوم مجهد، وكلما فكرت بما قد يحصل فيما لو ازداد الأمر سوءاً وطلبت مني أن آخذ معي عمو شكري في نزهة لأكل الدجاج المقلي مثلاً.. سيكون الأمر كارثياً.
لا يقتصر الأمر على تالة.. فقد بدأت زوجي بالامتعاض والانتفاخ والمقارنة مع أبناء جيراننا ممن استحوذ شكري على تفكيرهم وجعلهم تحت إمرته، والنصيحة التي يتعلموها من عمهم شكري قد لا تنزل إلى الأرض، حتى أن بعض النسوة في الحي اعتمدن على شكري لتوجيه أبناءهن وحثهم على الطعام أو الدراسة. لقد توسعت تجارة شكري تماماً واشترى عقاراً كبيراً وقام بضمه إلى محل الألعاب وباتت النسوة الزبونات رقم واحد من حيث الأهمية، ويأتي الأطفال ثانياً الذين لا يعنيهم سوى إرضاء أنفسهم عبر عمو شكري.
ازداد القلق ضراوة وبدأت حمّى الوساوس تشعل صدري شيئاً فشيئاً.. ماذا لو مت أنا وشكري البياع في يوم واحد.. على من ستبكي ابنتي تالة؟ ماذا لو مت وحدي وبقي شكري وقبلت أرملتي الزواج من شكري حتى لا ينكسر خاطر تالة؟
يبدو أن الحل الأمثل هو أن يتوفانا الله جميعاً وبهذا أرتاح من شكري ومن أساليبه الإغرائية..
من هذا شكري.؟! سألني أحد العارفين الذين لم يعتادوا على شكري ولا أمثاله في حياتهم.. حتى أن تجارة شكري لم تكن رائجةً على زمانهم..
قال لي:
– إنه كغيره لا يملك شيئاً.. كل ما قام به شكري هو أنه اعتمد في تجارته على رغبة صغيرتك وغيرها من أولاد الحي، إنه يعرض اللعبة ويبيع الرغبة. هي ذاتها رغبتك وأنت طفل وقد تغيرت مع مرور الوقت وباتت رغبتك أشد فتكاً.. لقد أقفلت الباب لمنع ابنتك من الخروج كي لا تثيرها ألعاب شكري، وتحولت إلى شبه قاتل وأنت تتمنى لشكري الموت.. وهذه رغبتك..
وأردف قائلاً: اسمع يا بني.. تحلى بالحب والعقل، هكذا هي الدنيا نموت وتبقى رغباتنا معلقة في الهواء، وما هي إلا أيام تمر بلمح البصر ستكبر ابنتك وتتزوج وتنجب لك حفيداً جميلاً يشبهها.

أحسست من كلامه بأن كل شيء على ما يرام، لكن هنالك أصوات لازلت أسمعها في أعماقي تثرثر: ماذا لو أسمته شكري.. ها.. أجبني.

المثنى علوش