تحقيقاتصحيفة البعث

تهديده يتزايد مكب البصة في اللاذقية..حلول مؤجلة والنتيجة أكوام قمامة ومستنقعات عفنة ودخان وروائح

مع هبوب أي ريح تصل رائحة مكب البصة إلى مدينة اللاذقية، فهو يقع على بعد 15 كم عن مركز المدينة، ويشغل مساحة 100 هكتار على الشاطىء مباشرة، وآراء عدد كبير من الأهالي القاطنين في المدينة تكفي لإدراك خطورة التهديدات الصحية والبيئية للمكب، فكيف الحال بأهالي البصة نفسها، ولا تنحصر تلك التهديدات فقط في رمي ما يقارب ألف طن من النفايات يومياً، إنما في النفايات المتراكمة خلال عشرات السنوات، وما ينتج عنها من غازات سامة قد تؤدي إلى الاشتعال والحرائق، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، وعدا عن ذلك تلويث المياه الجوفية التي قد تستخدم في ري المزروعات، والروائح الكريهة المنبعثة، فالمكب الذي يستخدم كموقع لطمر النفايات المنزلية الصادرة عن اللاذقية، وجبلة، والحفة، والقرداحة، كارثة بيئية حقيقية، وآمال جميع السكان معلّقة على التخلص من هذا الوباء الكبير، وإيجاد الحلول المناسبة.

رأي الأهالي
عدد من المواطنين عبّروا عن انزعاجهم من روائح المكب، مؤكدين ازدياد الإصابات بالأمراض المتعددة، ومنها الربو، والأمراض التحسسية، ويتساءل الكثيرون حول خطورة هذا الموضوع بالرغم من إجراء دراسات تحليلية لتلوث المياه الجوفية للمناطق المحيطة بالمكب، وإيجاد نتائج مخيفة فعلاً، فلماذا لا تتم معالجة النفايات في المكب حفاظاً على الصحة من التلوث؟ ويرى آخرون أن ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض التنفسية يشير بأصابع الاتهام إلى هذا التلوث البيئي الخطير، ما يتوجب أن يكون المكب من أولويات الاهتمام.

رأي مختص بالبيئة
لفتت انتباهي دراسة مميزة أجراها الدكتور حسين جنيدي، رئيس قسم هندسة النظم البيئية في المعهد العالي لبحوث البيئة، ونشرها على موقع اللاذقية بيتنا للتواصل الاجتماعي، تقول الدراسة: إن تراكم النفايات المتباينة من حيث نوعيتها، ومصادر تولّدها، والفترة الزمنية التي مرت عليها ضمن بيئة المكب، أدى إلى وجود اختلاف جوهري في مراحل التحلل لكل طبقة من طبقات النفايات، لذلك ليس غريباً أن نقول إن خليطاً عجيباً وغريباً وخطيراً من النفايات المتراكمة هي التي تكون سبباً في كافة المآسي اللاحقة التي سبّبها المكب، فعلى سبيل المثال لدينا نفايات مازالت حديثة العهد، تلك التي تكون هدفاً لرعاة الأغنام والماعز باعتبارها مصدراً رعوياً لقطعان الأغنام المنتشرة بكثرة مع أطفال بعمر الورود، إلا أنه مصدر رعوي خطر وخطر جداً تنعكس مخاطره على ألبانها وأجبانها ولحومها، وفي المقابل هناك نفايات مضى عليها زمن ليس بالقليل تكون سبباً في تولّد غاز الميتان القابل للاشتعال الذاتي، وغازات، وعوالق هوائية أخرى منفرة يشعر بها كل من يقع تحت تأثيرها.
ولفت د. جنيدي إلى أن عملية الاشتعال الذاتي والاحتراق لا تميز بين نفاية وأخرى، فكل النفايات تحترق بغض النظر عن طبيعتها مخلّفة غازات سامة وأكواماً من النفايات المتفحمة لتضيف للمكب بعداً خطيراً آخر.
وذكر في الدراسة أنه بالطبع تساهم بيئة المكب، وكافة العمليات الحيوية، والعمليات الفيزيائية والكيميائية في تشكيل سائل الرشاحة الذي سيكون سبباً في تلويث المياه الجوفية لدرجة يحول دون استخدامها حتى في الري، وذلك بسبب درجات التلوث العالية التي تلحقها بهذه المياه.
كما أشار إلى أن مخاطر مكب البصة لا تقف عند الآثار السابقة، وإنما تتعداها الى مخاطر أخرى ليست أقل شأناً، حيث إن النفايات المكشوفة في تلك المكبات ستكون أرضاً خصبة لتكاثر الحشرات والذباب، وتكون موئلاً للكلاب الشاردة، وبيئة مناسبة لتكاثر الجرذان، وبالتالي فإن كل ما ذكر سيكون سبباً في نقل الأمراض المعدية ومضاعفتها ضمن التجمعات السكانية القريبة، ناهيك عن الإشكاليات الأخرى المتمثّلة في تطاير أكياس النايلون، ووصول روائح وأدخنة احتراق المواد البلاستيكية للمكب إلى مناطق أبعد.
وتوضح الدراسة أن احتراق المواد البلاستيكية وغير البلاستيكية ستتولّد عنه أبخرة وغازات شديدة السمية تكون سبباً في أمراض الجهاز التنفسي المزمنة، وغيرها من الأمراض التي لا نريد الدخول فيها، وذلك كنتيجة منطقية لزيادة تراكيز أكاسيد النيتروجين، وأكاسيد الكبريت، والمعادن الثقيلة، والديوكسينات، والفورانات، والجسيمات العالقة الصلبة.

غيوم من الدخان
لقد أصبح التلوث بالسحب الغازية الناجمة عن مكب البصة قضية متكررة، فهي تكتسح المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية للمكب مغرقة التجمعات السكانية على هذا المحور بغيوم مشبعة بالدخان، وروائح المكب، وقد تصل هذه الكتل الهوائية المشبعة بالروائح والسموم، في كثير من الأيام، إلى بعض أحياء اللاذقية، وهذه حقيقة وواقع لا يختلف عليهما اثنان، فهذا ببساطة ما يشاهده ويشعر به كل من يدخل اللاذقية ليلاً، حيث يتشبع الاوتستراد بدءاً من المنطقة التي تلي الصنوبر، وصولاً إلى اللاذقية، بالأدخنة، ويتمثّل ذلك جلياً في محدودية الرؤية على الطريق، مع روائح منفرة لدرجة يصعب معها التنفس.
بالطبع لا يمكن مشاهدة هذه الحالة أو ملاحظتها في هذه المنطقة في ساعات النهار، وذلك بسبب انخفاض ضغط الهواء بفعل الحرارة الشمسية، ومساهمة ذلك في تمديد الانبعاثات الغازية وتشتيتها.
ويرى الدكتور جنيدي أن حل أية مشكلة بيئية يجب أن يبدأ من مرحلة الاعتراف بوجودها، وذلك استناداً إلى تشخيص علمي دقيق، ذلك التشخيص الذي يبتعد عن تقاذف المسؤوليات، كوننا نبحث في قضية تراكمت مخاطرها مع الزمن، وبالتالي نحن أمام حالة يجب أن تتضافر فيها كافة الجهود، بما فيها الجهات الخدمية، والإنشائية، والأكاديمية، والعلمية لتقديم الحلول الإسعافية السريعة في المدى المنظور لوقف التلوث الحاصل قدر الإمكان، والعمل على دراسة حلول منهجية مستدامة كحل استراتيجي يضمن المحافظة على البيئة بكافة مكوناتها، تلك المكونات التي يأتي في مقدمتها الإنسان الذي هو غاية وهدف كل تطور يحصل، والقاعدة الذهبية التي يجب أن نتمثّلها هي: “أن لا حيادية في محاربة التلوث، فإن لم نغير في الوضع البيئي الخطير للمكب قد نصبح ضحية له!.

ردود مسؤولين
أكد المهندس وائل الجردي، مدير الخدمات الفنية باللاذقية، أن مديرية الخدمات الفنية باللاذقية تقوم بتأهيل مكب البصة للنفايات، وذلك وفقاً للعقود المبرمة مع فرع مؤسسة الإنشاءات العسكرية باللاذقية، متاع 6، ويتم ذلك من خلال المتابعة اليومية لأعمال الصيانة اللازمة لطرق وساحات المكب، وردم النفايات عن طريق تغطية القمامة بطبقة من الرمل، وبقايا الأنقاض، ومتابعة الحرائق التي تنتج عن الغازات سريعة الاشتعال، والناجمة عن الحرارة العالية، وأحياناً بفعل بعض الأشخاص، وذلك من خلال التعاون مع فوج إطفاء اللاذقية، حيث تتم ضمن هذا السياق ملاحقة بعض الأشخاص الذين يقومون بافتعال هذه الحرائق بالتعاون مع الجهات المختصة، إضافة لمتابعة الدخان الناجم عن هذه الحرائق ومعالجته وفقاً للإمكانيات المتاحة، وكل ذلك ريثما يتم الانتهاء من العمل في تجهيز مكب قاسية.
وأوضح الجردي أن العمل يتم بوتيرة عالية وفقاً للاعتمادات المالية المرصودة لتنفيذ أعمال هذا المشروع الذي ستكون له انعكاسات بيئية هامة على صعيد التخلص من النفايات الصلبة التي يشكّل التعامل معها في ظل الوضع الحالي قضية هامة تتعاون كافة الجهات المعنية من أجل الإقلال من الأضرار التي تسببها قدر الإمكان، وأشار إلى أنه سيتم في العام القادم دعم المحافظة بمبالغ مالية لإنهاء مشكلة المطمر، وتجهيز موقع القاسية الصحي.

هام جداً
فواز الكنج، رئيس نقابة عمال الدولة والبلديات في اتحاد عمال اللاذقية، أشار إلى أن موضوع مكب البصة هام جداً لما له من سلبيات على الصحة النفسية والجسدية، والتلوث البيئي، وهناك حاجة ملحة للتخلص من ملوثاته بأساليب سليمة، وتحويله إلى معمل لفرز النفايات والمخلفات، وإنتاج الغاز الحيوي والسماد الطبيعي، ولفت إلى وجوب تحسين واقع الآليات، والوقود، وشبكة الطرق، فتعبيد الطرق يكلّف مبالغ مادية أقل بكثير من المبالغ التي تصرف لإصلاح السيارات والآليات التي تقوم بتخديم المدينة، وتقوم بتفريغ حمولتها في المكب.

اقتراحات
لابد من تفادي وقوع كارثة بيئية تلحق بالموارد الطبيعية المجاورة للمكب، وكذلك إيقاف التأثيرات السلبية المتعددة التي تهدد أمن وسلامة السكان القاطنين، فقد لوحظ انتشار الزراعات بجوار المكب مثل الليمون، ومختلف أنواع الخضروات: (بيوت بلاستيكية مزروعة بالخيار، والبندورة، والفاصولياء، إضافة إلى خضروات أخرى كالباذنجان، والكوسا، والذرة، وخضروات أخرى تنمو بشكل سريع لأنها تتغذى على المواد العضوية الموجودة في المكب، وبالتالي نستنتج مدى الضرر الكبير الناجم عن تناول مثل هذه الخضروات، كما يمكن إقامة منشأة حضارية تسمح بالتخلص من النفايات المنزلية، أو إعادة تدوير الموجودات من القمامة من ورق، وبلاستيك، ونايلون، وحديد، ليتم إرسالها إلى المعامل، وطمر النفايات العضوية الأخرى، وموضوع مكب البصة يفتقر إلى المواصفات الفنية، وبدورنا نضعه في رسم كل حريص على صحته وصحة أهله وأبنائه، وهو أهم من أي مشروع آخر.

عائدة أسعد