ثقافةصحيفة البعث

نوار يوسف.. المبدعة وغير التقليدية

تقدم أدوارها بطريقة جنونية وغريبة، نقف أمام مشاهدها لنقول هل يوجد مثل هذا الجنون في الحياة، إذ تصرّ “ندى” في مسلسل “قلم حمرة” على الزواج من “أنس” مبتكرة شيئاً جديداً في حفل الزفاف بعيداً عن المتعارف عليه، حيث ترتدي بنطالاً أسود تحت فستانها الأبيض، فنقف أمام هذه الصرعة الجديدة، إلا أن الممثلة نوار يوسف تقف غير مبالية بآراء الآخرين متحدية كل العادات والتقاليد.

في “جلسات نسائية” –تأليف أمل حنا وإخراج المثنى صبح- تعترف “رانيا” لطبيب الأسنان “ميلاد يوسف” بحبها الكبير له رغم أنه رجل متزوج ويكبرها بكثير، وفي “ستاتيكو” تقف الصدفة أمام رجل “كفاح الخوص” يريد الانتحار لكن امرأة “نوار يوسف” تجعله يقلع عن الأمر خلال حوار مليء بالإجابات عن الكثير من التساؤلات الوجودية، ومن فتاة باحثة عن الحرية والهاربة من الفقر في مسرحية “ستاتيكو” – تأليف شادي دويعر وإخراج جمال شقير- إلى “شاليمار” الراقصة الموجودة في المجتمع بوضوح وواقعية. جسدت نوار يوسف أدوارها بطريقة غير تقليدية خاصة في التعاطي مع تلك الشخصيات، مما يسمح لنا القول أنها غاصت بتفاصيل مخفية عن السطح الظاهر، واكتشفت دقائق الأمور كيف تمر.

“شاليمار” يمكن وصفها كما قال الشاعر بدر شاكر السياب:

“ثغراً يكركر، أو يثرثر بالأقاصيص البريئة

لأبٍ يعود بما استطاع من الهدايا في المساء

لأبٍ يقبِّل وجه طفلته النَّدِيِّ أو الجبينْ

أو ساعدين كفرختين من الحمائم في النقاءْ

ما كان يعلم أن ألف فمٍ كبئر دون ماءْ

ستمص من ذاك المحيا كل ماء للحياء”.

بهذه الكلمات يصف الشاعر الجو والحاضنة الطبيعية التي تجمع الأب بابنته وينذر بما سيؤول إليه مصيرها في حال فقدان هذه الرعاية الأبوية واستبدالها بالرعاية الوحشية للمجتمعات المأزومة والمهزومة نفسياً واجتماعياً، لم تك دعوة السياب تلك هي الوحيدة للمجتمعات للبحث عن حيثيات وأسباب ونتائج ومعاناة شخصية البنت الضائعة إن صح التعبير، وهنا يمكن استحضار مشهدين متفرقين الأول من مسلسل “الندم” –تأليف حسن سامي يوسف وإخراج الليث حجو- عندما يقابل “عروة- محمود نصر” -الشاهد على أفول عائلة ووطن وزوجة- بنتاً تسأله المال مقابل أقسى شيء ممكن أن تمر به البنت، لكنه يرفض بمشهد بطولي هادئ ويرد: لا ادفع المال مقابل الجسد.

تمر السنوات لتتجدد الدعوة في مسلسل “ترجمان الأشواق” –تأليف بشار عباس وإخراج محمد عبد العزيز- حيث يسلط الضوء على هذه الشريحة من المجتمع، فتكون “شاليمار- نوار يوسف” الشخصية المركبة التي تحب الخير للآخرين ولا تعرف كيف تصنعه لنفسها، “شاليمار” كانت واضحة للآخرين غامضة لنفسها تسعى جاهدة للوصول إلى خيط للإفراج عن أسيرة وهي نفسها “شاليمار” أسيرة الليالي والطبول والأغاني.

وتعرف الموسيقى في الأدبيات الشعبية أنها غذاء الروح، بينما تعرّف في الكتب على أنها غذاء العقل، أما الحب فلا تعريف واضح له، وعلى هذا الثالوث ترقص شاليمار كالراقص على جمر، فهي تارة تحاول الالتصاق بالمثقفين والكتب والثقافة لنيل قلب الرجل المسن صاحب المكتبة الدافئة “فايز قزق” في ساحة المرجة، وتارة أخرى تجد حالها ترقص على أنغام “ياس خضر” في الملاهي الليلة، وتارة ثالثة تفارق حبيبها المسن عنوة احتراماً لمرض زوجته، لتجد نفسها مشردة ثملة في شوارع دمشق تعاني الأمرين ولا جواب لمصيرها إلا ذلك التراجيدي الذي تنبأ به السياب في نهاية القصيدة التي ابتدأت بها المقال هذا، فيقول:

ذهب الشباب!! فشيعيه مع السنين الأربعين/ومع الرجال العابرين حيال بابك هازئين

وأتي المشيب يلف روحك بالكآبة والضباب/فاستقبليه على الرصيف بلا طعام أو ثياب.

جمان بركات