الصفحة الاولىصحيفة البعث

هجوم بريطاني من العيار الثقيل: ترامب عديم الكفاءة

بدأت الأصوات المنتقدة لسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التدميرية تتعالى داخلياً وخارجياً بشكل لافت، فبعد الانتقادات الواسعة التي تلقّاها ترامب من الداخل الأمريكي حول سياساته الرعناء في جملة من القضايا، وعلى رأسها قضية المهاجرين، جاء الانتقاد هذه المرة من الحليف التقليدي لواشنطن وممثل مصالحها في أوروبا، وهو المملكة المتحدة، التي وصف سفيرها لدى واشنطن سير كيم داروتش، في برقيات سرية بعثها لحكومته، ترامب بعديم الكفاءة والأهلية، وتوقّع نهاية “مخزية” لولايته، مرجّحاً إعادة انتخابه رغم ذلك.

ووفقاً للبرقيات، التي تمّ تسريبها بطريقة غير معروفة، ونشرتها صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، وأكد “صحتها” مسؤول بريطاني، وصف السفير ترامب بأنه “عديم الكفاءة” و”غير مؤهّل”، لافتاً إلى صراعات داخل واشنطن تشبه “القتال بالسكاكين”، وتحدّث عن نهاية “مخزية” لفترته الرئاسية.

وفي إحدى رسائله الأخيرة في 22 حزيران، انتقد داروتش سياسة الرئيس الأميركي حول إيران، ورأى أن مواقف ترامب “غير مترابطة” و”فوضوية”، معتبراً أن تراجعه في اللحظة الأخيرة عن ضربات ضد طهران ردّاً على إسقاط طائرة مسيّرة أميركية بحجة أنها قد تسبب مقتل 150 إيرانياً، “ليس بالأمر المقنع”، ورأى أن السبب الحقيقي “هو عدم قناعة ترامب تماماً بذلك الحل”، خشية على حملته الانتخابية.

ولفت داروتش، في إحدى برقياته إلى الخارجية البريطانية، إلى أن هناك “طريقاً موثوقاً” لإعادة انتخاب ترامب لفترة رئاسية ثانية عام 2020.

وجاء في إحدى المذكّرات: “لا نعتقد حقّاً أن هذه الإدارة ستُصبح طبيعيةً أكثر، وأقلّ اختلالاً، وأقلّ مزاجيّة، وأقلّ تشظّياً، وأقلّ طيشاً من الناحية الدبلوماسية”.

وقالت الصحيفة: إن التعليقات الأكثر حدّةً، التي أطلقها داروتش، هي تلك التي وصف فيها ترامب بأنّه “غير مستقر” و”غير كفؤ”.

وفي مذكرة أخرى حول زيارة الدولة المثيرة للجدل التي قام بها ترامب إلى المملكة المتحدة الشهر الماضي، قال الدبلوماسي البريطاني: في الوقت الذي “انبهر” فيه ترامب وفريقه من هذه الزيارة، أكدوا أن صورة بريطانيا الجميلة لن تدوم طويلاً لأن “أميركا تبقى الأولى” بالنسبة لهم.

وأشار السفير أيضاً إلى معلومات “حول الفوضى والمنافسة الشرسة” في البيت الأبيض، ورأى أن “الأخبار الزائفة” التي يتحدّث عنها ترامب مراراً هي “بأغلبيتها صحيحة”.

ولم تشكّك وزارة الخارجية البريطانية بصحة هذه المذكرات الدبلوماسية، ولكنها حاولت الحدّ من تأثيرها في العلاقات بين البلدين، حيث قالت متحدثة باسم الخارجية: “للبريطانيين الحق في توقع تقييمات صادقة من دبلوماسيينا إلى وزرائنا حول سياسات الدول التي يعملون فيها”، مضيفة: “وجهات نظرهم لا تمثل بالضرورة وجهة نظر وزرائنا وحكومتنا”، وتابعت: “لفريقنا في واشنطن علاقات قوية مع البيت الأبيض لن تتأثر دون شك بهذه السلوكيات التي لا قيمة لها”، في إشارة إلى الآثار المحتملة لهذه التسريبات.

وفي سياق متصل، أكد وزير العمل الأمريكي السابق روبرت رايتش أن ترامب يعتمد على مبدأ “فرّق تسُد” في سياساته الداخلية بحيث يزرع التفرقة والفتن بين الأمريكيين، ويجعلهم منقسمين على خطوط سياسية بالية تتمثل في “اليمين” و”اليسار” أو الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

وقال رايتش وهو أستاذ في السياسة العامة في جامعة كاليفورنيا بيركلي، في مقال نشرته صحيفة الغارديان البريطانية: إن “ترامب هو محرّك الدمى في مجتمع أمريكي يقوده حكم الأوليغارشية أو الأقلية” الذي يقسم الأمريكيين على أساس اللون والجنسية، ويفرّق بين الطبقة العاملة البيضاء والسوداء، ويثير النزعات العرقية، ويصف البشر على أنهم “غرباء غير شرعيين”، كما أنه يطلق حروباً على المهاجرين ويعزّز مخاوف المجتمع في جميع الاتجاهات.

وأوضح رايتش أن ترامب يعرف تماماً كيف يثير كراهية الأمريكيين ضد المهاجرين، والطبقة العاملة ضد الفقراء، والأمريكيين البيض ضد الأمريكيين المتحدّرين من أصول إفريقية ولاتينية، كما أنه بارع في جعل الطبقة العاملة تعتقد أنها تخسر وظائفها بسبب البيروقراطية والمهاجرين، ويتقن تماماً كيفية إثارة المخاوف والقلق من أي حزب أو تيار لا يتوافق مع سياساته.

وأشار رايتش إلى أن حكام الأوليغارشية في الولايات المتحدة يوهمون الأمريكيين بضرورة الانقسام وفق خطوط سياسية رئيسية هي “اليسار” و”اليمين” لزرع التفرقة بينهم، لكن الانقسام في الحقيقة هو بين “الأقلية” و”الديمقراطية”، وهذا ما لا يدركه الأمريكيون.

وفي هذا السياق لفت رايتش إلى التلاعب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وسيطرة حكم “الأقلية” على السياسيين، وبهذا فإن شيئاً لن يتغيّر لمصلحة الأمريكيين، لأن الأقلية التي تسيطر على الأموال هي من تختار وتدير الانتخابات.

ورأى رايتش أن الطريقة الوحيدة لإيقاف ترامب وحكمه الأوليغارشي هي وقوف الأمريكيين مع بعضهم لإنشاء تحالف متنوع الأعراق والديانات من الطبقات العاملة والفقيرة والمتوسطة لمحاربة الفساد والاحتكارات وإيقاف عمليات قمع الناخبين.

إلى ذلك، أكد المستشار الألماني السابق غيرهارد شرويدر أن الولايات المتحدة تحت رئاسة ترامب تدمّر نظام الاقتصاد العالمي وتعامل شركاءها كدول تابعة وليس كحلفاء، وقال في مقابلة مع صحيفة “هاندلسبلات” الألمانية: إن “الدول ذات السيادة تمتلك حق اتخاذ القرار بشأن مع من تتعامل تجارياً وأي سياسة خارجية تبتغي اتباعها”، مضيفاً: إنه “تحت ذريعة الحرية واقتصادات السوق تقوم إدارة ترامب عمداً بتدمير قواعد نظام الاقتصاد العالمي”.

وأوضح شرويدر أن الممارسات الأمريكية في هذا المجال لا تتعلق بالحمائية، فالجميع يفعل ذلك وحتى أوروبا، وإنما الخطر الذي يشكّله ترامب يتمثل في محاولته فرض إملاءاته على الدول الحليفة والصديقة بشأن ما عليها أن تفعله سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي، وبصراحة هذا يعني أن ترامب لا يريد شركاء له، وإنما يريد تابعين، وأشار إلى ممارسات السفير الأمريكي لدى ألمانيا ريتشارد غرينيل، ومحاولته التدخل في شؤونها الداخلية من خلال توجيه انتقادات علنية لميزانية الدفاع الألمانية أو مهاجمة قطاع السيارات في ألمانيا، وقال: “كنا نرغب من الحكومة الألمانية إطلاق تصريح أو اثنين تنتقد فيه التدخل الأمريكي هذا وتعلمهم أن هذا ليس من شأنهم”.

وكان شرويدر انتقد غرينيل من قبل واصفاً إياه بـ”ضابط الاحتلال”، وأكد ضرورة اتحاد أوروبا، وقال: “علينا أن نجمع قوانا، وفي حال فشلنا في ذلك فإننا سنتحول إلى دول من الدرجة الثالثة ولاسيما بعد قرار بريطانيا الانفصال عن الاتحاد الأوروبي الذي وصفه بالخطأ الفادح الذي أضعف أوروبا كثيراً”.