دراساتصحيفة البعث

الإرهاب الاقتصادي البريطاني ضد سورية

ترجمة: هيفاء علي

عن موقع ميديا بارت 6/7/2019

أقدمت السلطات البريطانية في 4 تموز على احتجاز ناقلة نفط إيرانية كانت تتجه نحو البحر المتوسط عبر جبل طارق  بذريعة أنها تنتهك العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والهادفة إلى شلّ سورية اقتصادياً.

بعد فشل الحرب العالمية على سورية التي بدأت في سياق ما يُسمّى “الربيع العربي”، وترافقت مع حملة إعلامية مسعورة أطلقها المعسكر الغربي وشركاؤه لبدء حرب بالوكالة عبر أدواته، وإرسال عشرات الآلاف من الإرهابيين المرتزقة لإضعاف الحكومة السورية وإرغامها على الخضوع للسياسات الغربية والأمريكية حصراً، قرّرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حرمان الشعب السوري من احتياجاته الأساسية ظناً منها أن القاعدة الشعبية التي تتمتّع بها الحكومة السورية ستنقلب ضدها لأنها غير قادرة على تلبية جميع احتياجاتها.

إنها لعبة قذرة جداً وهذا هو الإرهاب الاقتصادي بعينه. ولكن من يهتمّ حقاً؟ الشعب السوري يجب أن يُعاقب لتمسكه بوحدته وهويته وأرضه، وبسبب دعمه القوي لحكومته. قد يتساءل البعض: لماذا تشتري سورية النفط من إيران؟ والجواب هو: لأن ما يقرب من نصف مصادر الطاقة والنفط لديها محتلة من قبل الولايات المتحدة، والتنظيمات الإرهابية الموالية لها، وعلى رأسها “داعش والنصرة”، إضافةَ إلى “قسد” في المنطقة الشرقية.

وقد يسأل آخرون: لماذا ترسل إيران النفط من الخليج العربي إلى سورية من خلال التفاف عبر رأس الرجاء الصالح وجبل طارق، بدلاً من اتخاذ الطريق الأسهل عبر العراق أو قناة السويس؟. هناك إجابات مختلفة على هذا السؤال: فيما يتعلق بالعبور عبر العراق: يقول بعض المحللين إن الطريق السريع بين إيران والعراق وسورية ليس آمناً بعد بسبب وجود خلايا نائمة تابعة لتنظيم “داعش” الإرهابي، والبعض الآخر يرى أن القواعد الأمريكية في العراق وسورية قد توقف القافلة، فيما توضح أخرى أن إيران لا يمكنها تسيير 300،000 طن في ناقلات برية. وفيما يتعلق بالمرور عبر قناة السويس: يرى البعض أن مصر تطبّق العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد سورية، والبعض الآخر يفسّر أن الناقلة الإيرانية “غريس 1” المحمّلة بـ 300،000 طن من النفط لا يمكنها عبور هذه المسافة لأن الحمولة القصوى التي يمكنها عبور القناة هو 160000 طن فقط.

وأياً كانت الإجابة الحقيقية، فإن الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن إنكارها هي أنه عندما كان إرهابيو “داعش” يسرقون النفط السوري بين عامي 2013 و2015، ويقومون ببيعه إلى تركيا ثم إلى أوروبا وإسرائيل، كان التحالف المزعوم الذي تقوده المملكة المتحدة والولايات المتحدة ويدّعي محاربة “داعش”، لا يرى أي مصلحة في وقف تهريب النفط السوري. ولكن اليوم، توقف بريطانيا ناقلة النفط الإيرانية لخنق وقتل طاقة وقوة الشعب السوري، وهذه هي القرصنة، وهذا هو الإرهاب الاقتصادي.

في السياق نفسه، لم يتأخر الردّ الإسباني كثيراً على اعتبار أن مدريد تخوض نزاعاً بحرياً مع بريطانيا منذ قرون حول السيادة على مضيق جبل طارق، حيث تجدّدت الحوادث في السنوات الأخيرة وساهمت في توتير العلاقات بين الطرفين. فقد صرّح وزير الخارجية الإسباني بشأن الحادثة قائلاً إن السلطات البريطانية تحركت بإيعاز من الولايات المتحدة في سياق حربها النفطية على إيران، فيما أعلنت السلطات الإسبانية أنها تقدّمت باحتجاج دبلوماسي أمام بريطانيا بسبب احتجازها لناقلة في مياه موضع نزاع دولي. ويعود سبب التدخل الإسباني إلى عدم تفويت مدريد أي فرصة لإثبات سيادتها على مياه مضيق جبل طارق، وهو نزاع قديم ما فتئ يوتر العلاقات بين البلدين.

وترى مدريد في هذه الحادثة سانحة لتظهر رفضها واستياء الأوروبيين عامةً من تبعية السياسة الأوربية العمياء لإملاء الولايات المتحدة الأمريكية، و التي يرون أن بريطانيا تنصاع لها مباشرة دون حتى استشارة شركائها في المنظمة. ويُعدّ وزير الخارجية الإسباني في حكومة تصريف الأعمال، جوزيب بورّيل، من أشد منتقدي السياسة الخارجية الأمريكية ومن أكثر المطالبين باستقلالية القرار الخارجي الأوروبي. هذا الأخير الذي تمّ اختياره لشغل منصب مفوض السياسة الخارجية للاتحاد أراد إظهار بعض الصرامة في أول امتحان له حتى قبل تولّيه رسمياً الحقيبة.