أخبارصحيفة البعث

القوة المهيمنة تزداد قلقاً

يظهر في أفق المشهد السياسي العالمي أن أمريكا هي الدولة العظمى التي تمتلك قوة عسكرية واقتصادية تعتقد أنها ستظل قوة لا نظير لها على الأقل لعقود قادمة، لكن يبدو في السنوات الأخيرة أن القوة المهيمنة، أو على وجه التحديد جهاز الأمن القومي الخاص بها، قد ازداد قلقاً مع الصعود الجماعي للعالم النامي، وهو ما ترفض قبوله، لأن ذلك يبشر بالمتاعب.

تنبع البراعة التي تدعم الدور الريادي للولايات المتحدة على المسرح العالمي من مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والجغرافية وغيرها، بما في ذلك الرؤية التي سمحت لها بالعمل مع الآخرين لتأسيس النظام الدولي الحالي. لقد مهّدت هذه الاستراتيجية الطريق إلى الشعور بالتفوق، حيث تسببت ثلاثة عقود من الهيمنة أحادية القطب في زرع اعتقاد راسخ تاريخياً بأن الولايات المتحدة بلد استثنائي، وأن الشؤون الدولية يجب أن تدار، إما بالطريقة الأمريكية، أو ليس هناك أية طريقة أخرى على الإطلاق.

ولكن الآن مع النمو الذي لا يمكن إيقافه، وصعود بعض البلدان النامية، يبدو أن من المقدّر أن يتقاسم الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة مرحلة قادمة مع “البقية”. وعلى الرغم من أن التحوّل الناشئ هو مجرد نتيجة منطقية للتاريخ، ولا يكلّف واشنطن أياً من مصالحها المشروعة، إلا أن القلق الذي لحق بها يسيطر على ما يسمى بدولة الأمن القومي الأمريكية، ولهذا فإن صانعي القرار من الصقور، وقادة الرأي في الولايات المتحدة  يفقدون العقل والأخلاق وتتزايد مخاوفهم من أن تفقد أمريكا ما يعتبرونه حقاً.

التجارة العالمية هي حتى الآن جبهة القتال الرئيسية، وفي نظر صانعي السياسة الأمريكية الحاليين، فإن قوانين الاقتصاد والتجارة  ليست سوى خدعة، وعلى هذا الأساس أطلقوا موجات من الرسوم الجمركية ليس ضد الصين فقط، بل وأيضاً ضد حلفاء الولايات المتحدة مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وكندا، وفرضوا رسوماً ثقيلة على المنتجات المستوردة التي تتراوح من الصلب وقطع غيار السيارات إلى الألعاب والدراجات بغض النظر عن الأعباء المالية المتزايدة على المستهلكين والشركات المحلية، وقواعد منظمة التجارة العالمية.

كما شهد عالم التكنولوجيا الفائقة سعي الولايات المتحدة لضمان تفوقها، وهي تحاول القيام بذلك، ليس من خلال شحذ سلاحها في منافسة عادلة، ولكن من خلال استخدام نفوذها لإعاقة المنافسين، لذلك فإن حملتها غير المبررة على شركة هواوي وغيرها من شركات التكنولوجيا الفائقة الصينية تحت ذريعة الأمن القومي تذكّرنا بخطتها السابقة ضد صناعة أشباه الموصلات في اليابان التي كانت مزدهرة ذات يوم، وتُفسر على نطاق واسع على أنها محاولة لتخريب القدرات الصينية في هذا المجال من الجيل القادم من الاتصالات المتنقلة، وضمان الدونية الدائمة للصين، على الأقل في التكنولوجيا المتقدمة.

وفي عالم الجيوسياسة، أصبح قلق الهيمنة في واشنطن أكثر وضوحاً، خاصة في سياساتها المتعلقة بالشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، ففي الأشهر الأخيرة، شجّعت الولايات المتحدة على الذهاب إلى الحرب ضد إيران وتنظيم انقلاب في فنزويلا.

وفي الوقت نفسه، تسعى الإدارة الأمريكية الحالية إلى جني ثمار ما أطلق عليه مارتن وولف، كبير المعلقين الاقتصاديين في الفاينانشال تايمز، “القوة العظمى المارقة”، بينما ترفض تحمّل مسؤوليتها العالمية المستحقة.

في حقبة ما بعد الحرب الباردة، اعتقد الغرب أن الولايات المتحدة تعمل كبانية لنظام دولي قائم على القواعد وحارس للسلام، لكن بعد ثلاثة عقود، تشعر الدول الغربية نفسها بخيبة أمل بعدما اكتشفت أن واشنطن أصبحت متنمراً كبيراً يدفع العالم نحو ” الفوضى الأمريكية “.

عناية ناصر