أخبارصحيفة البعث

أردوغان يتهرّب من مسؤولياته.. ويُهيئ الأتراك لفترات عصيبة

 

بعد أن أغرق كل التحليلات الاقتصادية- والتي قامت بتشخيص الوضع ومسببات الأزمة الاقتصادية في تركيا- في نظرية المؤامرة المحلية والخارجية، بدأ رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان يهيئ الأتراك لفترة عصيبة، باحثاً في الوقت نفسه عن كبش فداء لتحميله مسؤولية انزلاق الاقتصاد إلى الركود، ولم يجد أفضل من محافظ البنك المركزي، مراد جتينقايا، الذي أقاله يوم السبت الماضي، ليلصق به كل علل الاقتصاد، التي هي بالأساس نتاج سياسات خاطئة أرغم الطاغية أردوغان مؤسسات الدولة على تطبيقها.
وقد خاض “سلطان الدواعش” معارك شرسة لتطويع المؤسسة المسؤولة عن السياسة النقدية، بأن أجرى عملية تطهير لكل معارضيه في البنك المركزي، وآخرهم جتينقايا، الذي عارض سياساته، وأثارت تصريحاته وتدخلاته في السياسة النقدية، في أكثر من مناسبة، مخاوف لدى المستثمرين وقلقاً في الأسواق، وهوت بقيمة الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها.
ويقول محللون: إن تدخلات أردوغان أصبحت طاردة للاستثمار في السوق التركية الناشئة، إلى جانب تسميمه للعلاقات الدبلوماسية مع الشركاء العرب والغربيين، وأن هذا الأمر لوحده كفيل بأن يدفع الاقتصاد التركي إلى الركود.
وأكد أردوغان “أن بلاده قد تواجه مشكلات خطيرة ما لم يجر إصلاح البنك المركزي إصلاحاً تاماً بعد إقالة محافظه مراد جتينقايا”، متجاهلاً أن سياساته هي من أوصلت تركيا إلى حافة الهاوية، اقتصادياً ومالياً.
وأظهر مرسوم رئاسي نُشر بالجريدة الرسمية يوم السبت الماضي إقالة جتينقايا، الذي كان من المقرر أن تستمر ولايته ومدتها أربعة أعوام حتى عام 2020، وتعيين نائبه مراد أويسال خلفاً له، مخالفاً بذلك المادتين 27 و28 من النظام الداخلي للمصرف، لأنه لا يمكن إقالة محافظ المصرف المركزي قبل انتهاء مدته القانونية.
وزعم أردوغان، خلال رحلة العودة من زيارة للبوسنة، “إن جتينقايا اتخذ قرارات دفعت تركيا ثمنها غالياً، وإنه لم يوح بالثقة في أسواق المال، ولم يتواصل جيداً معه”، وأضاف: “البنك المركزي هو أهم عنصر في الركيزة المالية للاقتصاد، وإذا لم نصلحه إصلاحاً تاماً، ونضعه على أسس سليمة فربما نواجه مشكلات خطيرة”، وتابع: “الأهم أنه لم يوح بالثقة في الأسواق. تواصله مع الأسواق لم يكن جيداً”.
ويريد أردوغان العنيد خفض أسعار الفائدة لإنعاش الاقتصاد الذي يضربه الكساد، مخالفاً بذلك كل القواعد العلمية الاقتصادية.
وانكمش الاقتصاد التركي بشدة للربع الثاني على التوالي في مطلع 2019، فيما نالت أزمة العملة وارتفاع معدل التضخم وأسعار الفائدة من الإنتاج الكلي بشكل كبير.
ورفع جتينقايا أسعار الفائدة بواقع 11.25 نقطة مئوية إجمالاً في العام الماضي لدعم الليرة الضعيفة، لتصل الفائدة إلى مستواها الحالي عند 24 بالمئة، وكسب بذلك ثناء المستثمرين لعدم رضوخه لضغوط أردوغان بخفض أسعار الفائدة قبل الأوان، لكن صهر أردوغان، براءت ألبيرق، وهو وزير المالية والخزانة، انتقد، وحده، البنك المركزي مراراً لإبقائه أسعار الفائدة مرتفعة.
وتسود تركيا حالة من التوتر في ظل أزمة اقتصادية آخذة في التفاقم، دفعت حتى أقرب حلفاء أردوغان للتنديد بسياساته التي أربكت الاقتصاد، وكانت سبباً مباشراً لمآلات الوضع الراهن.
ويحاول أردوغان مداراة فشله بالادعاء أن هناك مؤامرة خارجية بمشاركة أطراف محلية تستهدف تقويض النجاحات الاقتصادية، لكن الانقسامات، التي تعصف منذ فترة بحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يقوده، سلّطت الضوء على سياساته الفاشلة، ودفعت قيادات من الصف الأول في الحزب للانسلاخ عنه والتخطيط لتشكيل جبهة موحّدة لإعادة تصحيح الوضع.
وألمح رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو إلى مسؤولية أردوغان عمّا آل إليه الوضع الاقتصادي والسياسي، إلى جانب انحراف الدبلوماسية التركية عن مسار تمتين العلاقات مع الشركاء إلى المواجهات على أكثر من جبهة، ودعم التنظيمات الإرهابية في المنطقة لتحقيق أوهام العثمنة، وانتهاكه الحريات المدنية وتصميمه نظاماً رئاسياً، دخل حيز التنفيذ عام 2018، من أجل إحكام قبضته وهيمنته على مؤسسات الدولة، والحد من استقلالية المؤسسات التشريعية والقضاء، وقمع حرية الرأي، والتعبير بين الأتراك.
وبنى حزب العدالة والتنمية نجاحه على النمو القوي لتركيا، وتباهى مؤيدوه بارتفاع مستوى المعيشة خلال السنوات الست عشرة من حكم أردوغان، أولاً كرئيس للوزراء ثم رئيساً، غير أن تراجع الاقتصاد ساهم في خسارة الحزب انتخابات محلية في اسطنبول وأنقرة مؤخراً، في نكسة كبيرة للحزب الذي يتولى السلطة منذ 2002.