تحقيقاتصحيفة البعث

غير موثوقة أثر المبيدات الزراعية.. المتبقي في المنتجات يزيد خسائر الفلاح ..وغياب الرقابة ودور الوحدات الإرشادية

مئات من البرادات المحمّلة بمادة التفاح تم رفضها من قبل دول استيراد المادة تحت حجة الأثر المتبقي الذي تتركه المبيدات في المنتج، وهذا انعكس سلباً على واقع تسويق المنتج الذي مازالت آلاف الأطنان منه مكدسة في البرادات حتى يومنا هذا، وهي معرّضة للتلف، وبالتالي مئات ملايين الليرات هي خسائر فلاحي السويداء الموسم الماضي تحت عنوان الأثر المتبقي، ومع ذلك لم تسارع الجهات الحكومية لإيجاد الحلول الناجعة باستثناء بعض التصريحات عن إحداث مراكز مكافحة حيوية، أو إقامة حملات توعية للفلاحين، وإرشادهم حول المكافحة الحيوية، وكلها حلول لا تغني ولا تسمن من جوع سابقاً أو حالياً، وتتجاهل تلك الجهات عملية الإنتاج المحفوفة بالكثير من المخاطر، “وحرق الأعصاب” حتى الوصول إلى النهايات، فمن المسؤول عن انتشار أدوية غير نظامية في الأسواق؟ وأين دور الوحدات الإرشادية في عمليات المتابعة؟ ومن يتحمّل تبعات تلك الخسائر؟.

دور مهمّش

مجموعة من المزارعين التقتهم البعث حمّلوا المسؤولية لدور الوحدات الإرشادية المهمّش، وعدم حضورها بين الفلاحين كمرشد وموجه خلال فترة الموسم في المنطقة، واقترحوا بأسلوب ساخر تحويل مقر الوحدات الإرشادية إلى صالات أفراح بدلاً من أن تأخذ مكاناً، ولا يستفيد منها المزارعون شيئاً، وأكدوا أنهم يعانون من كثرة حالات الإصابة بين الثمار، وعدم فعالية المركبات الموصوفة للرش، مع اختلاف الضرر من محصول لآخر، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث بات الخطر الأهم، إلى جانب العوامل الجوية، هو عدم فعالية المبيدات الحشرية في ظل ضعف الرقابة الحكومية عليها، وسيطرة السوق السوداء على عمليات البيع، ما انعكس بشكل واضح على جودة الإنتاج وتسويقه، وبالتالي المردودية المالية، المهندس زيد كرباج، المشرف على الصيدلية الزراعية في نقابة المهندسين الزراعيين، يقول: إن المبيدات المهربة غير موثوقة نهائياً، والكثير منها مزور أو منتهي الصلاحية ومجدد، وقد تكون مواد غير آمنة وشديدة السمية، وهذا له انعكاس عبر الأثر المتبقي الذي ينعكس على صحة الإنسان، وعلى عمليات تصدير المادة، وحول استخدام مانعات الانسلاخ بيّن كرباج أنها غير متوفرة في الأسواق، وكلفتها مرتفعة جداً، وبالتالي نجد عزوفاً عنها من قبل الفلاحين.

مانعات الانسلاخ

قد يعود انتشار دودة الثمار (السوس) في محصول التفاح إلى عدم التزام الفلاحين بمواعيد الرش، وضعف الخبرات الزراعية لديهم، إلا أن عوامل أخرى تلعب دوراً في ذلك يشرحها المهندس أحمد حاتم نقيب المهندسين الزراعيين، حيث يقول إنه جرت العادة في السويداء على استخدام مبيدات محددة لأكثر من 30 عاماً، ما أدى لظهور سلالات مقاومة لهذه المبيدات، وبالتالي لابد من تأمين مبيدات حديثة، ومنها مانعات الانسلاخ لما لها من ميزات هامة، منها فترة الفعالية التي تصل إلى 30 يوماً، وهذا يقلل عدد مرات المكافحة التي تتم كل 18 يوماً باستخدام باقي المبيدات، وكذلك فإن مانعات الانسلاخ تعتبر من المبيدات خفيفة السمية، ولا تؤثر على الأعداء الحيوية الموجودة بشكل طبيعي بالبيئة المحلية، إلا أن استخدامها يصطدم مع عدة معوقات أهمها عدم توفرها في السوق المحلية بشكل نظامي، وارتفاع أثمانها أضعافاً عديدة مقارنة مع المبيدات التقليدية الموجودة، وبحساب بسيط لاحتياج الفلاح لعمليات الرش نجد أن تكلفة الدونم الواحد 34200 ليرة سورية، ويزيد إجمالي مدفوعات محافظة السويداء لعملية المكافحة، حسب المهندس حاتم، أكثر من 5 مليارات ليرة سورية، ومع ذلك، ورغم كل هذه المدفوعات، نجد أن آلاف الأطنان تصاب سنوياً، وبالتالي يخسرها الفلاح، أما الثمار التي تكون سليمة فيعاني الفلاح من بيعها للخارج جراء السموم، أو ما يسمى الأثر المتبقي فيها.

 

نقص في الأدوية

صاحب الأربعين عاماً من الخبرة المهندس كمال العيسمي يقول: إن الشركات السورية لوقاية المزروعات تعاني من نقص في بعض الأدوية، وقلة ثقة الفلاحين بمدى فعاليتها، ولكن لا توجد خيارات واسعة أمام أصحاب الصيدليات، فليس هناك سوى ثلاث شركات وطنية محلية تفرض سياستها عليهم كتحميلهم لأنواع من الأدوية “تندر” الحاجة أو الطلب عليها، وبالمقابل أيضاً فإن الشركات الخاصة تفرض أسعارها على السوق بالدولار دون مراعاة ظروف الفلاح واقتداره، وبالنظر إلى قانونية هذه الأدوية، يجيب العيسمي بأن جميعها، سواء كانت محلية أو أجنبية، يجب أن تكون ممهورة بموافقة مديرية البحوث الزراعية، ووزارة الزراعة، ونقابة المهندسين الزراعيين، مع مراقبة الصلاحية النقطية على الغطاء، علماً أنه لا يجب طرح أي منتج في السوق قبل أن يمر على مركز البحوث للتأكد من النسب المطروحة على العبوة، وضمن فترة تجريبية لمدة ثلاث سنوات للتأكد من فاعليتها على الأشجار المثمرة، وانحلالها الصحيح بالتربة، ويضيف العيسمي: “إن العقلية الزراعية غير الحرفية للفلاحين هي العامل الرئيس في الوقوع بفخ قلة الإنتاج، وتناقل الأمراض بين الثمار الموسمية مقارنة مع الفلاح الأمريكي”، فحسب مجلة الأغذية الزراعية والعربية من الخرطوم، فإن كل فلاح أجنبي يوازي بخبرته ٦٥ فلاحاً عربياً على الأقل، رغم أن الطاقة العاملة للولايات المتحدة هي ٩ بالمئة من مستوى العالم، لكنها تشكّل ٣٥ بالمئة من الإنتاج  الزراعي العالمي، وهنا يكمن دور الإرشادات الزراعية المنتشرة في أنحاء المحافظة بلا جدوى أو عمل يذكر!.

مبيدات مهربة

تناقلت الأوساط الفلاحية كما الإعلامية خبراً مهماً نوعاً ما وهو كشف ضابط في الجمارك عن رصد حالة توسع في ظاهرة تهريب الأدوية الزراعية ، وبناء على المعطيات المتوافرة لدى الجمارك تم وضع رؤية خاصة للتعامل مع هذه الظاهرة، واتخاذ جملة من الإجراءات التي من شأنها ضبطها والحد منها وإيقافها،
وعن أهم المنافذ التي تدخل منها هذه المهربات الزراعية بيّن أنها تدخل عبر الحدود السورية اللبنانية بشكل رئيس، وأن الكثير من المستودعات خصصت في هذه المناطق لتخزين هذه المواد وإدخالها للأسواق المحلية، وبيعها للمزارعين، وفي هذا السياق تم ضبط شحنة أدوية زراعية حديثاً مصدرها الأراضي اللبنانية، وتم التعامل معها، وإحالة المواد للمختبرات المختصة لإجراء التحاليل اللازمة، إضافة لدخول كميات من هذه المواد عبر الشمال مصدرها تركيا، إذ يستغل بعض المهربين الظروف العامة في بعض المناطق لإدخال مهربات وممنوعات للبلد، مبيّناً أنه تم ضبط قضيتين مؤخراً لتهريب الأدوية الزراعية في حمص مصدرها الأراضي التركية، وتبيّن بالكشف على هذه المواد أنها مواد ذات منشأ صيني، والعديد من المواد ضبطت كان منشؤها سعودياً، وبيّن الضابط أن هناك تعاوناً وتنسيقاً مع وزارة الزراعة في التعامل مع هذه الأدوية، والتأكد من سلامتها، إذ تتم بالتعاون مع الوزارة عمليات إجراء الاختبارات والفحوصات اللازمة لهذه المواد، وكيفية التعامل معها وإتلافها من دون أن تحدث ضرراً زراعياً أو بيئياً.

وعن رقم تقديري لمعدل نسبة الأدوية الزراعية المهربة الفاسدة أو المغشوشة التي تدخل للبلد بيّن أنها تقترب من 50 بالمئة، إذ يستغل المهرب عدم خضوع المهربات لأية فحوصات أو تحققات من مواصفات المواد المدخلة، ويتم استقدام الكثير من المواد الفاسدة أو منتهية الصلاحية، أو المتلاعب بمواصفاتها بأسعار رخيصة، ويتم طرحها في السوق على أنها مواد زراعية جيدة وبأسعار عالية.

السوس ينخر

التصريحات السابقة قد تشكّل مدخلاً مهماً لمشكلة المبيدات الحشرية ومدى فعاليتها، والتي تعتبر حديث فلاحي المحافظة اليوم وبالأمس وغداً، وطبعاً من السهل على المسؤولين أن يقولوا إن المبيدات فعالة، والمزارع غير مبال، وبالتالي ترحيل المشكلة، أو الهروب منها، علماً أن الهروب من ذلك يحمّل الإرشاد الزراعي مسؤوليات كبيرة، فماذا يفعل هذا الإرشاد إذا لم يكن الفلاح بخير فنياً وزراعياً، فهل يقوم بدوره على أكمل وجه، أم أنه يتحمّل كامل المسؤولية عن التفاح “المسوس” إذا كانت سوق المبيدات خالية من الشوائب، والخيارات متوفرة، ولا يوجد أي مبرر للفلاح بعدم شراء مبيدات ذات فعالية عالية وموثوقية كبيرة؟!.

وبعيداً عن طرفي هذه المعادلة التي نجد أن وزارة الزراعة والبحوث الزراعية معنية بموازنة حديها، سواء بتفعيل الإرشاد الزراعي، أو مراقبة تلك المبيدات، لابد من معاملة المبيدات معاملة الأسمدة لجهة احتكارها من قبل جهة معينة، وتوزيعها على المزارعين مع ضمانها لموثوقيتها، وعدم تبديل لصاقتها.

رفعت الديك