دراساتصحيفة البعث

ترامب يجر السعودية إلى الانهيار

 

علاء العطار

منذ اعتلاء ترامب كرسي السلطة أضرّ بعلاقة الولايات المتحدة مع حلفائها وخاصة في الغرب، وأبدى بوضوح الأهداف التي يرومها ممن يرغب بالتحالف معهم، وهي المال والمال فقط، لذا لايزال تحالفه مع النظام السعودي المجرم قائماً، طالما ظلّ الثاني يدفع “الجزية” للأول. دون ذلك سيعيد ترامب حساباته ويبقى آل سعود دون ظلّ يحتمون به، والجميع يلاحظ في سلوك ترامب تناقضاً صارخاً تجاه أي شيء سوى المال، وما الدافع الذي يحثّ دولة تسمّي نفسها “العالم الحر” على التحالف مع نظام لا يمت للإنسانية بصلة لو لم تكن مثله، بل وربما أقذر!.

وها هي ذي المظلة الأمريكية تخيم بظلالها محاولة التستر على الكوارث الإنسانية التي لحقت باليمن وتتوالى عليه جراء العدوان السعودي العنصري، كمن يحاول إخفاء نور الشمس بيده، ولا تغرّنا تلك المسرحيات التي تُمثّل على خشبة الكونغرس كل أسبوع لتندّد بجرائم النظام السعودي الغاشم في اليمن وسورية، فهي مجرد مناورة لامتصاص غضب الشارع وتحييد الأنظار عن ساكن البيت الأبيض الذي يقف بكل إخلاص إلى جانب الطاغية السعودي محمد بن سلمان، والذي يصبّ جام غضبه على عدوه اللدود المفتعل: إيران.

وتكثر التوقعات في الأوساط الصحفية التي تفيد بأن التحوّل سيحدث على يد الديمقراطيين في حال فوزهم في انتخابات عام 2020، وستضع تلك الإدارة حداً لهذا النفاق السياسي، لكن التاريخ ينبئُنا يقيناً بغير ذلك، بالرغم من أن العديد من الديمقراطيين والجمهوريين من المحللين والمسؤولين السابقين ينهالون بالانتقادات على ولي العهد السعودي.

بيد أن هذا الكلام لا ينكر وجود تصدعات في العلاقة بين هذين النظامين، فهي علاقة بُنيت على أساس الانتفاع المتبادل منذ عام 1945 في الاتفاق بين فرانكلين روزفلت وعبد العزيز بن سعود، حيث يؤمّن السعودي النفط للأمريكي مقابل أن يحميه ويتستّر على جرائمه مهما بلغت شناعتها.

وفي ضوء ذلك قال السيناتور الديمقراطي كريس مورفي: “كان السعوديون يحظون بدعم قويّ من الحزبين في الكونغرس.. ويتمسكون اليوم بالتحالف من خلال علاقة النظام مع شخص واحد، هو دونالد ترامب.. ربما نواجه صعوبة في إعادة هيكلة العلاقة بوجود ترامب في السلطة.. ولكن التغيير قادم”.

ودعا كوري بوكر، أحد المرشحين للرئاسة في عام 2020، الولايات المتحدة إلى “إعادة النظر في العلاقة مع الرياض بأكملها”، في حين وصف بيرني ساندرز ولي العهد السعودي بـ”المستبد القاتل”، وتساءل إن كان الاتفاق الذي وقع بين روزفلت والملك عبد العزيز لا يزال قائماً، وهو سؤال مشروع خاصة بعد ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة التي زادت إنتاج النفط الخام الأمريكي إلى مستويات قياسية، ما أضعف بدوره الطرف السعودي من المعادلة.

ظلّت الولايات المتحدة على وفاق مع المملكة لما يقارب السبعة عقود إلى حين مجيء ترامب الذي غيّر المعادلة وبات يبتزهم ويطمع بالمزيد والمزيد، وهو يعرف حق المعرفة أنه كلما ازداد شعور العائلة الحاكمة بالخوف على أنفسهم من احتمال سحب المظلة عنهم، تزيد المبالغ التي سيدفعونها مقابل بقائها، وعلى هذه الحال لن يصمد الاقتصاد السعودي طويلاً قبل أن ينهار، عندئذ لن يعودوا قادرين على ملء جيوب ترامب والاستعانة به، ولن يبقى أمامهم سوى أن يعدوا الأيام القليلة المتبقية على زوالهم.

ويمكن استشفاف ذلك مما جاء على لسان أحد المسؤولين السعوديين، إذ قال: “إننا نعترف أن العلاقة تعرّضت لضغوط في الآونة الأخيرة ولكننا نعمل بجهد لإعادتها كما كانت، ونعترف أنها تحتاج لوقت ونتعامل معها كسباق ماراثون لا كسباق عدو”، وهذا يشير أيضاً إلى وجود حالة من عدم اليقين في أروقة النظام السعودي وإلى تناقص مستويات الثقة بين الطرفين.

وأوردت بعض التقارير أن ترامب سأل بن سلمان أثناء لقائه إياه في قمة العشرين عن علاقته بمقتل الصحافي جمال خاشقجي، فما كان من الطاغية إلا أن يجيب بإطباق فمه، كما ردّ ترامب في تجمع حاشد مؤخراً على كلّ من يطالب بإنهاء التحالف مع النظام السعودي على إثر الجرائم التي يرتكبها داخل البلاد وخارجها بالقول: “هناك أناس يريدون قطع العلاقة مع السعودية، لقد اشتروا كميات أسلحة بقيمة 450 مليار دولار.. لا أريد أن أخسرهم”، وبالطبع يقصد ترامب أنه لا يريد أن يخسر أموالهم، ويعكس ذلك الآلية التي يتبعها لابتزاز السعوديين.

لطالما كانت العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية هشة، إذ أنها لم تكن قط مبنية على علاقة مع دولة أو شعب، بل مع العائلة الحاكمة وحدها، وهذا يزيد من تصدع العلاقة بالتبعية وبمرور الزمن، وبحسب تفاوت المصالح والولاءات، وهذا ما شهدناه عند اعتلاء كلّ من ترامب ومحمد بن سلمان السلطة، إذ أمست العلاقة محصورة بين العائلة الحاكمة وترامب، وباتت المعادلة الجديدة على النحو التالي: ترامب تاجر يسعى وراء المكاسب المادية، في حين أن بن سلمان سادي يستلذ بخطف وتعذيب معارضيه وقتلهم، ويهوى الحروب أكثر مما يهواها صقور الإدارة الأمريكية.

لا ريب أن ذلك الاختلاف بين التوجهين قد يقوي العلاقة بين الطرفين كما يجري الآن، إذ يرتكب ولي العهد المجازر في الداخل والخارج ويدفع المال لترامب ليدافع عنه ويدعمه، لكن ماذا سيحدث في حال زوال المال؟ وهذا أمر غير مستبعد أبداً، إذ أن الحروب التي يشنّها النظام السعودي إضافة إلى الأموال الطائلة التي يدفعها لشراء الدعم الأمريكي لن تؤول باقتصاد البلاد إلا نحو الانهيار، عندها لن يكون لهذا السؤال سوى جواب وحيد.