اقتصادصحيفة البعث

الإعلام الاقتصادي وإعادة الإعمار

 

 

يلقى الإعلام بجميع مؤسساته المرئية والمقروءة والمسموعة اهتمامات كبرى في جميع البلدان العالمية، ويحظى بتخصيصه برصيد مالي سنوي في ميزانيات جميع الدول، كما أن أغلب المنظمات والمؤسسات والشركات العامة والخاصة، الموجودة في كل بلد ترصد أموالاً لتغطي نفسها إعلامياً، نظراً لدور الإعلام في إنجاح الكثير من الأعمال، ومن المؤكد أن الدور الإعلامي القائم أو المطلوب – بنوعيه الرسمي والخاص – يختلف كمياً ونوعياً بين زمان ومكان، وبين مؤسسة إعلامية وأخرى، وفقاً للوقائع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القائمة، والطموحات الأفضل المنشودة، ومن يتأنى ملياً في الحضور الإعلامي الحالي القائم في بلدنا، يرى الحاجة الماسة للمزيد من النهوض بهذا القطاع، بما يواكب إعادة الإعمار المنشود، بالترافق مع إنجاز المشروع الوطني للإصلاح الإداري، وتطلعات مكافحة الفساد المستشري.
لعقود مضت كان للإعلام المسموع حضور رئيسي قياساً بالإعلام المقروء أو المرئي، عندما لم يكن انتشار الدوريات الورقية موجوداً على مستوى الريف، وعندما لم يكن التلفزيون موجوداً لدى قسم كبير من الأسر، لكن الإعلام المسموع ضمر دوره تدريجياً، وتتالى صدور المزيد من الدوريات الإعلامية الورقية اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية – الرسمية والخاصة – ذات الاختصاصات المتنوعة، في الجانب الثقافي أو الجانب الاقتصادي، أو الأدبي أو الفكري أو السياسي، والعديد من الدوريات تضمن تنوعاً قي الأبحاث والمواد الإعلامية، شمل العديد من هذه الجوانب، وقد حظيت العديد من هذه الدوريات بكتاب متميزين وقراء مهتمين، ولو تم عودة أولي الأمر لما ورد في هذه الدوريات، من أفكار وتطلعات مستقبلية، وطروحات بخصوص الإصلاح الإداري والاقتصادي ومكافحة الفساد، والتمعن ملياً في مضامينها، لتبين أن الكثير من هذه الرؤى كان جديراً بالاعتماد في حينه، وما زال اعتماد الكثير منها مفيداً، حال الرجوع إليه، دون الحاجة لتكرار سرده مجدداً.
لكن المؤسف أن ضموراً كبيراً قد حل بالإعلام الورقي خلال السنوات الأخيرة، وأغلب هذا الضمور انتاب جوانبه الأكثر اهتماماً بالشأن العام، وتحديداً الجوانب الاقتصادية، فبعض الدوريات توقفت كلياً عن الصدور، وبعضها انخفض عدد صفحاته، وبعضها افتقد بعض صفحاته المتخصصة، أو مواده الهادفة، في حين استمر صدور بعض الدوريات الأقل أهمية، وكذا الحال بالنسبة لبعض الصفحات أو بعض المواد، ولكن اللافت للانتباه أن هذا الضمور بدا وكأنه ما هو إلا حالة عرضية فرضتها ظروف الإرهاب التي عاشها البلد، بدليل أن العديد من الدوريات القديمة تعود للظهور مجدداً، وكثير منها مهتم مجدداً بمجمل الجوانب الاقتصادية، وقائع واقتراحات، إلا أن أعداد القراء تتناقص، بشكل نسبي، وكثير ما يتبين أن الكثير من المواضيع الهامة المطروحة لا تلقى اهتمام المعنيين الرسميين بها، ومع ذلك فالمزيد من تفعيل دور الإعلام الورقي مطلوب، شريطة تشجيع تضمينه المزيد من أفكار الإصلاح ومكافحة الفساد ومتطلبات إعادة الإعمار، وعلى أن يكون ذلك منظوراً عند أصحاب القرار.
إلا أن المشكلة الكبرى تتجلى في قصور الإعلام المرئي، فبرامجه المعنية بالشأن العام قليلة جداً في جميع المحطات التلفزيونية، وتحديداً الواجبة الوجود المكثف فيما يخص المشروع الوطني للإصلاح الإداري، أو برامج وآليات مكافحة الفساد أو الخطط المنشودة أو المعتمدة أو المنفذة في ميادين إعادة الإعمار، والدور المتوجب على الإدارات العامة المعنية، على أن يتم تخفيف برامج اللهو والتسلية والمسلسلات والبرامج المكررة، في العديد من المحطات، إذ يندر أن فتحت محطة تلفزيونية إلا ومشهدها مسلسل أو رياضة أو برنامج تسلية أو عرض مكرر غير موفق لنقص خدمي في مكان ما، أو حديث عن خانات دمشق وأبوابها… أي برامج لا تتناسب مع همومنا الحالية وتطلعاتنا المستقبلية، فهل يعقل أن يعاد مسلسل ضيعة ضايعة عشرات المرات، ومثله كثير.
أرى أن تطوير الإعلام الاقتصادي بما يخدم مرحلة إعادة الإعمار، حاجة ماسة جداً، والخطوة الأولى تتمثل بتتابع تشجيع الدور البحثي النقدي من خلال المزيد من الدوريات الورقية، واستعادة تنشيط الدور المنبري في المراكز الثقافية، والأهم الأهم يتمثل بضرورة إنشاء محطة تلفزيونية متخصصة بإعادة الإعمار – على غرار المحطة المتخصصة بالدراما، بحيث تكون جميع برامجها معنية بالشأن العام الاقتصادي البنائي الإصلاحي التطويري والتنويري، في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بها، مع تنشيط هذه البرامج البنائية في المحطات الأخرى على حساب البرامج الإلهائية الواجبة التخفيف، أليست هذه المحطة المقترحة أهم بكثير من المحطة المتخصصة بالدراما والقائمة منذ سنوات.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية