ثقافةصحيفة البعث

“الحــــب فـــي زمـــن التحـــولات” عـــن الحـــب والغيــــاب والحــــرب

 

رواية “الحب في زمن التحولات” للروائي عبد الغني ملوك صاحب السوسن البري وأحلام الذئاب وأواخر الأيام وغيرها. يختتم ثلاثيته الروائية بهذه الرواية الجميلة. إذ يعد العنوان أو العتبة الرئيسية للنص الأدبي بأنه رسالة لغوية تعرف بهوية النص وتحدد مضمونه وتجذب القارئ إليه وتغريه بقراءتها، وهو الظاهر الذي يدل على باطن النص ومحتواه، وبذلك يصبح العنوان مفتاحاً لفكّ لغز النص وأسراره، ويكتسب العنوان أهمية في علاقته بالمضمون وبعده الجمالي.
قد يرى البعض انه ثمة تقاطع بين عنوان الحب في زمن الكوليرا لماركيز. إلى أن الحقيقة وباطن ومحتوى وشخصيات الروائي ملوك في رائعته هذه ماهي إلا حالة تتماهى مع شخصيات عبد الغني ملوك، وهي تنهي رسالتها الأخيرة، خصوصا إذا ما عرفنا أن هذه الرواية هي الرواية الثالثة في ثلاثيته (مجامر الروث– في قبو الدير– الحب في زمن التحولات). ثلاثية روائية مشغولة بكثير من العناية من حيث الاشتغالات الروائية على توزع أمكنة الأحداث الروائية، وتوزع شخصيات الرواية على جغرافية الأمكنة والتماهي زمنيا مع البعد الزمني للسرد الروائي المتقن. لا اختلاط في الأزمنة عند الروائي الملوك. وأن بدت بعض الأحداث تمتد شاقولياً. أو أن نتلمس هنا أو هناك أزمنة تمتد في العودة إلى ذكريات عابرة في زمن الثلاثية، على طريقة (الفلاش باك- الخطف خلفا) إلى أن الزمن الرئيسي هو الزمن الأفقي دائماً.
الجميل في الثلاثية أن الروايات الثلاث تقرأ كل واحدة على حدة، أي أنها لم تصدر في كتاب واحد. وأن كانت الشخصيات هي التي تماهت مع المتن الحكائي ومع فضاء الرواية عبر الوصف، والمنظور السردي، حيث يجد القارئ انسجامه النفسي مع المعادل الروائي للتنقل مع شخصيات الرواية وهي تتنقل مابين الشام وبغداد وبيروت الخ.
سنجد بعدا جميلا، يضاف إلى جماليات أخرى يشتغل عليها ملوك في مشروعه الروائي. هو تلك اللغة الثرة الجميلة التي تدفع القارئ للمتابعة بمزيد من الشغف. وهذا شيء يسجل للملوك هو القدرة اللافتة على الاشتغال على لغته الروائية المنحازة للشاعرية، دون الوقوع في كمائن إغراءاتها، ودون أن تكون عبئاً على روايته مما قد يدعها تشكّل ترهلا لجسد روايته الممشوق عبر هارموني شديد التأثير على القارئ، يكمن في تلك اللغة الموظفة ببراعة:
(- من بعد غياب- اليوم سيلتقيان، فهل تغير فيها شيئاً ياترى؟ هل بردت العواطف؟ أم ازدادت شوقاً واشتعالاً كما هي حاله اليوم؟. غيمة عطر وسعادة تلفه، وقلبه ينبض بفرح لاعهد له به.) ص 8، مع الزمن يتحول الألم إلى حزن، ويتحول الحزن إلى صمت، ويتحول الصمت إلى وحدة ضخمة وشاسعة كالمحيطات المظلمة. ص 163.
شخصيات روائينا الملوك في كليتها الروائية ليست شخصيات مهزومة وإن بدت في الكثير منها مأزومة، أو أنها تعاني من أزمات إلا أنها في النهاية تخضع لمبضعه كروائي جراح، يتعامل بحكمة العارف في فن قص أو حرق أو إعدام الأزمة السلبية، وتحويلها لفعل ايجابي مؤثر في الفعل الروائي وفي نفسية القارئ.
221 صفحة مزدحمة بشخصيات لها مداليلها وأبعادها النفسية وسيكولوجيتها التي أثرت فيها أحداث الحرب اللعينة وجعلتها تتشظى في لظى حرائق الحرب المجنونة. وفي التشتت في المنافي وأرصفة الغربة والاغتراب. زخم حواري مكثف ودروس في هذه الرواية وكعادته عبد الغني ملوك الناجح دائما في إيجاد صياغات حوارية متقنة ومدروسة ومكثفة، ولا تحتاج إلا لعين مخرج حساس يقف خلف الكاميرا ويبث كنوز تلك الشخصيات، بعين الرائي على المتلقي أينما كان. لذلك أرى أنه لايمكن قراءة رواية الملوك قراءة نمطية كلاسيكية، وإنما لابد أن تملك هذه القراءة وعيا حساسا ومتيقظا، يستطيع تلمس الشفرات السرية لنصه الروائي. تلك التي يمكن أن يبثها من خلال جملة سردية، أو من خلال مشهد حواري، يدور بين شخصيات روايته. وهو الأسلوب الذي وثقه في الكثير من رواياته، لنلاحظ هنا نهاية رواية “الحب في زمن التحولات”. (اجتمعوا في الدير على مدى أيام، وقرروا خوض النضال السياسي، متلازماً مع العمل العسكري، واستخراج السلاح، وحمله أولى من تخزينه وإهماله، فعدّو الداخل قد يكون أخطر من عدو الخارج في بعض الأحيان. ومازال النضال مستمراً. رغم كل الانكسارات التي حصلت، وتحصل. ص 219.
وهكذا يسدل الروائي الستار على المشهد الأخير من ثلاثيته الرائعة، ويضعنا أمام ترقب لرواية جديدة تكمل مشروعه الروائي الذي أسس له بكل ثقة واقتدار وباحترافية عالية المستوى عبر محترفه ومختبره الإبداعي.
“الحب في زمن التحولات” 2017- صادرة عن دار الينابيع بدمشق وتقع في 220 صفحة من القطع المتوسط.
أحمد عساف