تحقيقاتصحيفة البعث

تكنولوجيا الحب علاقات بنهايات سعيدة.. وارتباط خارج عن العادات والتقاليد

لم يعد الأنترنت محصورا في الحصول على معلومة، أو تصفح موقع الكتروني، والانتقال عبر الزمن من مكان لآخر، بل بات يحتل أماكن أشخاص، ويؤدي دور الوسيط بين قلبين رغم الحدود والمسافات، ليثمر هذا التعرف عن زواج بتنا نسمع به، سواء من خلال مواقع الزواج الخاصة، أو طلبات الصداقة الفردية، فهل تحل شاشة الكمبيوتر مكان الأهل عند المقبلين نحو قفص الزوجية؟.

على لسان أصحابها
سوزان، امرأة متزوجة منذ خمس سنوات، نشأت علاقة حب بينها وبين شريكها عمر عبر الأنترنت، تقول سوزان: بعد تخرجي في الجامعة عدت إلى مدينتي أنتظر فرصة عمل، فكان معظم وقتي على الكمبيوتر، وعندها شاءت الأقدار أن أقبل طلب صداقة من زوجي الحالي، وبعد الدردشة لـ 6 أشهر، وإفصاحه عن إعجابه، استغل زيارته لأهله، وقدومه من الإمارات، وتعززت المعرفة، وفعلاً تزوجنا، ولدينا اليوم طفل، ونعيش بسعادة، ولم أندم يوماً على هذا الحب، أما رشا، خريجة قسم الترجمة، تعليم مفتوح، فقد تحدثت عن ترددها بداية لمثل هذه العلاقات التي تأتي عبر شبكة الأنترنت، لكن زواجها كان أيضاً بهذه الطريقة، تعرفت على زوجها نورس الذي كان يعيش في السعودية عبر الكاميرا، وبحسب تعبيرها تمكنت من كشف كل سلوكياته، وطريقة أكله، وحديثه باعتبار المحادثات كانت تطول، وتم الزواج، ورزقت بطفلتين، تصف حياتها الزوجية بالناجحة، كذلك مضر الذي قال: أعمل بأربيل منذ سنوات عدة، وتحت طلب الأهل وإلحاحهم بأنه حان وقت الارتباط والزواج، لم أرغب بأن يكون زواج أقارب، فأعجبت بصورة فتاة على الأنترنت، تواصلنا فترة من الزمن، وفي زيارتي للبلد تقابلنا، وفعلاً تم النصيب، ونعيش حياة هادئة.

ليست مقياساً
لم تكن التجارب القليلة الناجحة دليلاً قاطعاً على حتمية استمرار تلك العلاقات عند بعض الناس، حيث رفض خليل صاحب الـ 45 عاماً فكرة الموافقة على عريس أو عروس عبر شاشة الكمبيوتر، وعلى حد تعبيره لا يمكن للنت أن يحل محل اللقاء والتعارف الشخصي، أما أم بهاء فاستغربت الفكرة تماماً، وقالت: تزوجت عن طريق أهلي، ولا أفهم بالتكنولوجيا، ولكن لا أظنها قد تنجح على المدى الطويل، بينما مدرّسة اللغة الانكليزية منال فقد اعتبرت أن الأنترنت يمكن أن يكون بوابة للصداقة والتعرف على ثقافات أخرى، وتبادل المعلومات، ولكن لا يمكن الجزم بأنه وسيلة ناجحة للزواج، رغم وجود عدد من التجارب بين الأصدقاء، بعضها تكلل بالزواج، والآخر وقع مصيدة الكذب والخداع.

“الخطّابة”
فيما مضى وقبل انتشار الأنترنت، لاسيما في البلدان العربية، كان زواج الأهل هو الأكثر شيوعاً، خاصة في المجتمعات المنغلقة، إذ كما هو معروف كان ممنوعاً على الشاب رؤية الفتاة حتى يوم زفافها، فيا ترى ما الفرق اليوم بين مواقع الزواج وخطبة الأهل؟.
الخبيرة الاجتماعية هيام علي أوضحت أن الأنترنت بات نافذة مفتوحة لا يمكن للأهل إغلاقها أو تجاهلها، وحتى من لا يملك جهاز كمبيوتر في المنزل أصبح يحمل الموبايل الذي يستطيع الدخول إلى أي موقع، والوصول لأي مكان، فمن غير الممكن اليوم حجب الأنترنت عن الأبناء، وفيما يتعلق بمواقع الزواج قالت: تواجدت دائماً مواقع التعارف على الموبايل كبرنامج “نمبز”، ونوافذ دردشة جماعية أخرى مختلطة كان الشباب يتواصلون من خلالها، لكنها كانت خدّاعة في أغلب أوجهها، ولكن مع وجود برامج حديثة، وتطور شبكة الأنترنت، وانتشار الكاميرا، والواتس أب، والفايبر، بات كشف الزيف عند “المحنكين” أسهل، واستغربت رفض البعض لتلك العلاقات، فمن وجهة نظرها الأنترنت اليوم هو “خطّابة” بحلة جديدة، فكيف يمكن تقبل الخطّابة، ولا يمكن تقبل موقع الزواج، وعزت ذلك إلى الإصرار بعدم الاعتراف بتسلل الأنترنت إلى داخل الغرف الشخصية للبيوت، وخرقه العادات والتقاليد، وفقدان السيطرة على الأبناء حتى في المجتمعات المنغلقة، وكما أن هناك علاقات فاشلة تصل عبر الأنترنت، هناك أيضاً العديد من حالات الطلاق التي تكون نتيجة زواج الأقارب، والخطّابة، والمعارف، ورأت أن التقدم الحاصل في العالم لن يكبح جماحه، لا عادات ولا تقاليد، لتبقى التربية والسلوك أساس أية علاقة، سواء من وراء شاشة الكمبيوتر، أو التعارف الشخصي، ومع ذلك اعترفت علي بأن الأنترنت في بعض الدول العربية لم يتمكن حتى اليوم من نفي ما تربت عليه الأجيال القديمة، لكنه سيكون يوماً ما بديلاً عنها، وخارج سيطرة الأهل.

من أول نظرة
ومن وجهة نظر الخبيرة والمرشدة الاجتماعية فهمية خضور فإن الأنترنت لا يمكنه أن يلغي حقيقة الحب الذي يبدأ من أول نظرة، ورغم وجود بعض الحالات الناجحة، لا يمكن الجزم بمصداقية تلك العلاقات التي قد تشد الطرفين في بدايتها بسبب اختلاف الثقافات، والتواجد ببلدان مختلفة، وتغير اللهجات، لكنها لن تكون أساساً لبناء حياة زوجية قد تدوم أعواماً طويلة، هذا إذا ما نظرنا للأسباب التي تدفع الشباب للجوء لمواقع الزواج، فأغلبها يكون الخجل، أو سيطرة الأهل، والضغط الأسري، فيتيح الأنترنت الحديث بصراحة دون رقيب لعدم المواجهة المباشرة، والكذب في كثير من الأحيا، وبيّنت خضور أن الأنترنت قد يكون فرصة لمن فقد الحلم برؤية شريك الحياة، خاصة للفتاة التي لم تتلق عروض زواج، أو تجاوزها القطار كما يقال، وقد يكون فرصة حقيقية شريطة اللقاء المباشر والتعارف لمدة من الزمن كي لا تقع الفتاة في مصيدة التسرع والرغبة في الزواج.

رأي
أظهرت دراسة حديثة قام بها باحثون بجامعة فيينا النمساوية أن التعارف عبر الأنترنت يغير بنية المجتمع، وبفضل الأنترنت أصبح بالإمكان ولأول مرة في التاريخ أن يتواصل ويتعارف أشخاص فيما بينهم لا تجمع بينهم معرفة أو علاقة مسبقة، وحلل الباحثون نتائج عدد من الدراسات الأمريكية حول موضوع التعارف عبر الأنترنت، بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي، ووفقاً للدراسة فإن التعارف عبر الأنترنت هو ثالث الطرق الأكثر شيوعاً للزواج بين الرجال والنساء، وتستمر لفترة أطول، غير أن الباحثين ليست لديهم أدلة قاطعة تثبت أن سبب استمرارية تلك العلاقات لمدة أطول له علاقة بالتعارف عبر الأنترنت.
نجوى عيدة