دراساتصحيفة البعث

صفقة القرن تكشف خداع عملية السلام

 

هيفاء علي
للمرة الثانية يكتب المحلّل والصحفي البريطاني جوناثان كوك عن صفقة القرن المشؤومة، ويصفها بأنها خدعة أخرى كباقي اتفاقات السلام المزعومة السابقة، والتي لم تقدم للفلسطينيين أدنى فائدة وإنما انتزعت منهم أرضهم ووطنهم. وفي البداية أشار إلى ورشة البحرين الاقتصادية أو “ورشة العمل” من السلام إلى الازدهار” التي عُقدت يومي 25 و26 حزيران الماضي في المنامة، معتبراً إياها الأحدث في سلسلة طويلة من المقترحات المستحيلة، وأن الهدف الحقيقيّ من “صفقة القرن التي هي صفقة ترامب” تقديم رشاوى اقتصادية للفلسطينيين مقابل الخضوع السياسي، وهذا هو الفشل بحدّ ذاته وليس النجاح.
ويضيف الكاتب: على مدى عقود فرضت خطط السلام مطالب مستحيلة على الفلسطينيين، مما أجبرهم على رفض شروط العرض، وبالتالي خلق ذريعة لإسرائيل للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشكل متزايد، فكلما تقدّم الفلسطينيون بحلّ وسط، زاد تطور أفق الحل الدبلوماسي- لدرجة أن إدارة ترامب تتوقع منهم الآن أن يتخلوا عن أي أمل في إقامة دولة فلسطينية أو الحق في الحرية وتقرير المصير.
حتى جاريد كوشنر، صهر ترامب ومهندس خطة السلام، لا يعتقد بجدية أنه سيتمّ شراء الفلسطينيين بحصتهم البالغة 50 مليار دولار والتي كان يأمل في تحصيلها من الذين اجتمعوا في البحرين. لهذا السبب رفضت القيادة الفلسطينية أي مشاركة في هذه العملية، التي تعتبر خدعة كبيرة.
لكن مسؤولي التسويق في الكيان الإسرائيلي اخترعوا منذ فترة طويلة شعاراً لإخفاء سياسة التجريد والاستيطان التدريجي المتنكرة في صورة عملية سلام: “لا يفوت الفلسطينيون أبداً فرصة لتفويت الفرصة”.
هنا يشرح كوك ما تعنيه هذه الفرص الضائعة لتحقيق “سلام عادل في الشرق الأوسط”، ويحلّلها فيقول: الأولى كانت خطة التقسيم التابعة للأمم المتحدة في نهاية عام 1947. ووفقاً للسلطات الإسرائيلية، فإن العناد الفلسطيني بشأن تقسيم الأرض إلى دولتين، يهودية وعربية، منفصلتين هو الذي أشعل الحرب ما أدى إلى إقامة دولة يهودية على أنقاض معظم الأراضي الفلسطينية، لكن القصة الحقيقية مختلفة إلى حدّ ما.
كانت الأمم المتحدة التي تمّ تشكيلها تحت تأثير القوى الإمبريالية لبريطانيا العظمى والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق هم الذين أرادوا رؤية قيام دولة يهودية كحليف معتمد في الشرق الأوسط الذي يسيطر عليه العرب. لكن بفضل خطة التقسيم التي تغذيها الجماهير الاستعمارية الغربية، قدّمت خطة التقسيم معظم الوطن الفلسطيني إلى أقلية من اليهود الأوروبيين، الذين كانت هجرتهم الأخيرة تحت رعاية الإمبراطورية البريطانية.
وفي الوقت الذي مُنحت فيه الشعوب الأصلية من بلدان أخرى الاستقلال، طُلب من الفلسطينيين تسليم 56 في المائة من أراضيهم لهؤلاء القادمين الجدد، لم تكن هناك فرصة لقبول مثل هذه الشروط.
أراد ديفيد بن غوريون أن يرفض الفلسطينيون خطة التقسيم حتى يتمكن من استخدام الحرب كفرصة للاستيلاء على 78 ٪ من فلسطين وطرد معظم السكان الأصليين منها، تلتها اتفاقات أوسلو عام 1993 التي كانت إسرائيل ستستولي بموجبها على المزيد من الأراضي الفلسطينية، ولكن لم تعد هناك فرصة جدية لعملية أوسلو بعدما رفضت إسرائيل الانسحاب من الأراضي المحتلة في انتهاك لالتزاماتها.
أخيراً، في عام 2000، استدعى الرئيس بيل كلينتون عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك إلى قمة السلام في كامب ديفيد، عرف ياسر عرفات أن إسرائيل ليست على استعداد لتقديم أي تنازلات كبيرة، ويجب تخويفها وإقناعها بالموافقة على الحضور، وعد كلينتون الزعيم الفلسطيني بأنه لن يتحمّل المسؤولية إذا فشلت المحادثات.
لقد ضمنت إسرائيل فشلها، ووفقاً لمستشاريها، “لقد حطم” باراك المفاوضات، وأصرّ على أن تحافظ إسرائيل على احتلال القدس الشرقية، بما في ذلك المسجد الأقصى، وكذلك أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. تبعها محادثات سرية جرت في الفترة 2008-2009 ضمّت خلالها إسرائيل مناطق شاسعة من القدس الشرقية. بعد وفاة عرفات، أظهرت المحادثات السرية التي جرت في الفترة 2008-2009 – والتي كشفت عنها الصحف الفلسطينية المسربة – أن الفلسطينيين يقدّمون تنازلات غير مسبوقة، وشمل ذلك السماح لإسرائيل بضم مناطق شاسعة من القدس الشرقية، عاصمة دولة فلسطين. وها هي خطة ترامب المحكوم عليها بالفشل، تتبع خطى “عملية السلام” تلك.
لقد أدّت عملية السلام دائماً إلى هذه اللحظة، حيث قام ترامب بكل بساطة باختراق الأحداث الماضية وسوء الفهم لتوضيح أين تقع أولويات الغرب. ومن الصعب تصديق أن ترامب أو كوشنر كانا يعتقدان أن الفلسطينيين سيقبلون الوعد بالمال للحفاظ على الهدوء بدلاً من دولة قائمة على معادلة “الأرض مقابل السلام”.
ويختم كوك: مرة أخرى، يحاول الغرب فرض اتفاق سلام غير عادل على الفلسطينيين، لأن اليقين الوحيد هو أن الفلسطينيين سيرفضونه- هذه هي القضية الوحيدة التي توحّد قادة فتح وحماس بشأنها. وبالتالي، لا يزال من الممكن تقديمها كعقبة أمام أي تقدّم على طريق حلّ النزاع وهذا هو الهدف.
عندما تنهار خطة ترامب، وهو أمر لا مفرّ منه، ستنتهز واشنطن الفرصة وتستغل هذا الرفض الفلسطيني المزعوم لتبرير موافقة إسرائيل على ضم أجزاء إضافية من الأراضي المحتلة. وعندها سينتهي الفلسطينيون بوطن مخلوع، لا تقرير المصير، لا دولة قابلة للحياة، لا اقتصاد مستقلاً، مجرد سلسلة من الأحياء اليهودية التي تعتمد على المساعدات الدولية، وعقود من “الدبلوماسية” الغربية وصلت أخيراً إلى وجهتها.