ثقافةصحيفة البعث

ممــــدوح عــــدوان.. حالـــــة خاصـــــة بصخبهـــــا وجرأتهـــــا

أحيا فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب مؤخراً وضمن ندوة أدبية ذكرى الأديب الراحل ممدوح عدوان كأحد أهم الكتّاب والمثقفين السوريين، وأبرز القامات الأدبية العربية منذ الستينيات، وقد ترك في رصيده أكثر من ثمانين كتاباً في الشعر والمسرح والقصة والترجمة والنقد، وبيَّن الإعلامي عماد نداف الذي أدار الندوة أن الراحل قامة كبيرة في تاريخنا المعاصر وهو أحد الذين أحببناهم، ليس لأنه شاعر ولا لأنه مسرحي ومترجم وناقد وكاتب درامي عُرف بدماثته، بل لأنه كان يعرف كيف يتمرد وينصاع أمام قامة الوطن.

المشاكس المجلي
ولأنه من الصعب الإحاطة بكل ما كتبه عدوان وهو الذي عرف بغزارته حيا المشاركون الشعراء نصرة إبراهيم، كمال سحيم، فادي مصطفى، عزام عيسى، بشرى العيسى ذكراه من خلال قصائد كتبوها يحكون فيها عن عدوان الشاعر الذي دوزن أوتار القصيدة في بلدته قيرون وصبَّ كأس الرواية في دمشق، وعلى خشبة المسرح أشعل سيجارة هاملت يستيقظ متأخراً، ومنهم من خاطب عدوان بقصائد أخبروه فيها عما جرى بعد رحيله، في حين تحدث الشاعر صالح هواري الذي ينتمي لجيل عدوان عن الصداقة التي جمعته به في الجامعة التي شهدت تنافسهما في مجال الشعر في مسابقة شعراء الشباب وعن تلك الأخلاق النبيلة التي كان يتحلى بها، مبيناً أن عدوان كان مشاكساً ليثير الحوار ضده، وكان محاوراً شرساً يصل إلى ما يريد بسرعة.. وألقى هواري قصيدة “المشاكس المجلي” التي كان قد كتبها عن عدوان بعد رحيله بشهر.

دعانا للجنون
ومن خلال صلة القربى التي تربطها بعدوان استعادت فدوى صالح حكاياته وضحكته المجلجلة التي كانت تحول مجلس العزاء استقامة حياة وشفتاه المرتجفتان من تزاحم الحروف ووجوده في الحزن قبل الفرح، وقد كان لا يفوت زيارة مريض أو كبير في السن، وعدوان الذي دعانا للجنون هرباً من زيفنا كان صرخة في زمن الصمت ورجلاً لكل زمان ومكان، وقد رآنا قبل رحيله نسير قتلة في الشوارع.

كاتب مسرحي
ذاك اليوم الشتائي من العام 1986 لم يكن بالنسبة للكاتب المسرحي جوان جان يوماً عادياً.. في ذلك اليوم حضر مسرحية “الخادمة” للكاتب ممدوح عدوان والمخرج محمود خضور.. في تلك المسرحية ومن وجهة نظر نقدية اليوم كرّس ممدوح عدوان نفسه ككاتب درامي مهتم بالدرجة الأولى بالقضايا الاجتماعية، فالمسرحية كانت تتحدث عن فتاة تنتمي لأسرة قروية فقيرة تضطر للعمل في المدينة كخادمة في أحد البيوت، الأمر الذي يعرّضها لمجموعة من المضايقات التي تكشف بدورها الوجه القبيح للمجتمعات الاستهلاكية المعاصرة، وتدور الأيام لينتسب جان عام 1989 إلى المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وكان عدوان مدرّساً لمادة الكتابة المسرحية فيه والتي كانت تعطى للطلاب في السنة الرابعة، فكان عليه انتظار ثلاث سنوات للالتحاق بركب طلاب ذلك الأستاذ صاحب الضحكة المجلجلة والذي كان يجالس طلابه في كافيتريا المعهد ويشرب الشاي معهم، ويلقي عليهم النكات ويستمع إلى قصصهم ومشاكلهم وكأنه زميل لهم، وفي سنته الرابعة في المعهد كان لجان ما أراد، فقد أصبح طالباً عنده وكان المعلم عدوان قادراً على تحريض الطلاب على المشاركة الفعالة في الحصة الدرسية، كما كان قادراً على تشجيع روح المبادرة لدى الطالب وتحويله من مجرد متلقّ ومستمع سلبي إلى مشارك فاعل إيجابي، مبيناً جان أن عالم عدوان المسرحي غني ومدهش، فقد كتب المسرحية المعتمدة على الممثل الواحد مثلما كتب المسرحية المعتمدة على عدد كبير من الشخصيات، وكتب المسرحية التراجيدية مثلما حاول أن يطعّم نصوصه بشيء من الكوميديا، وكتب المسرحية الاجتماعية المعاصرة مثلما عاد إلى التاريخ ونهل منه، منوهاً جان إلى أن عدوان شكّل مع المخرج المسرحي محمود خضور ثنائياً متناغماً في المسرح السوري على مدى سنوات طويلة، ثنائي كان موازياً لتجربة الثنائي سعد الله ونوس كاتباً وفواز الساجر مخرجاً، مؤكداً أن عدوان كان حالة خاصة في دنيا المسرح السوري والعربي، حالة نفتقدها اليوم بصخبها وجرأتها وقدرتها على المواجهة.

الأستاذ
وخُتمت الندوة بمداخلة قدمتها مديرة المسرح القومي المخرجة سهير برهوم التي كانت إحدى طالبات عدوان في المعهد العالي للفنون المسرحية، وقد تتلمذت على يديه فكتبت نصوصها الأولى مستفيدة من ملاحظاته وتشجيعه الدائم، وعندما خاضت برهوم العمل المسرحي الميداني لأول مرة مع المخرج د.عجاج سليم من خلال مسرحية “الغول” التي كتبها عدوان تعرفت إلى عدوان الكاتب الذي كان يداوم على حضور جميع البروفات لحرصه على كل كلمة كتبها، وعلى الرغم من أنه من حق المخرج قراءة النص المسرحي، ومع ذلك كان غضبه كبيراً عندما تغيب جملة من نصه، مؤكدة برهوم في ختام مداخلتها أننا برحيل عدوان فقدنا قامة كبيرة في الفكر والشعر والمسرح والترجمة والنقد، وما يعزينا ما تركه بيننا من إرث ثقافي أغنى مكتباتنا.
أمينة عباس