أخبارزواياصحيفة البعث

نحو تعزيز ثقافة الحوار حول الداعشية.. مرة أخرى

د. مهدي دخل الله

وهل هناك من تعريف للداعشية؟؟ لعلها الإيغال في التطرف إلى حد القتل إن كان متاحاً، أو تمنيه للخصم إن لم يكن متاحاً!…

على هذا الأساس هناك داعشية، أي مغالاة  في التطرف، بكل توجّه فكري أو عملي لدى بني البشر. داعشية حزبية وإسلامية ومسيحية  وبوذية وليبرالية وشيوعية، وكل ما ينتهي بـ «إيّه» بما في ذلك العلمانية، ومن يعتقد غير ذلك يكون مغالياً في التطرف..

وبالتأكيد هذا لا يعني أن كل حزبية أو إسلامية أو ليبرالية وغيرها داعشية، وإلا لما كانت هناك حاجة للأفكار والتوجهات، وأنا مضطر لقول هذه الحقيقة البسيطة، لأنه على ما يبدو أن قلة من المتدينين ظنوا أن كل الدين متهم بالداعشية، فدافعوا عنه على هذا الأساس، وقلة من العلمانيين الذين نسوا العودة إلى المنطق ظنوا أن كل العلمانية متهمة بالداعشية، وكذلك قلة من الحزبيين وغيرهم..

إن الاعتقاد بوجود فكر محصّن من المغالاة في التطرف، هو مغالاة في التطرف، أي داعشية، مهما كان هذا الفكر في شكله ومضمونه..

جوهر المشكلة يكمن في ثقافة الحوار التي لا نعرفها، ولم نعتد عليها. البدايات دائماً صعبة، فرفض الآخر ونفيه وقتله بالرغبة، إن لم يكن بالفعل، هو أمر اعتدنا عليه، وأصبح جزءاً منا، ويبدو أن الانفكاك من هذا القيد الذي أدمى نفوسنا صعب جداً، ولكي أكون حوارياً أقر بأن هذا ليس صفة الآخر فقط، وإنما هو صفتي أيضاً..

سمعت مؤخراً حواراً بين متدين دوغمائي يرفض التفكير أصلاً، إلا إذا كان التفكير يقر ما يريده هو من حقائق مطلقة (دوغما)، وبالمقابل كان هناك متدين عقلاني يرى ما أصاب الدين، الإسلامي والمسيحي، من تشوه لا يليق بأصل هذا الدين نفسه..

أهم سلاح كان بيد الدوغمائي هو اتهام الآخر بالجهل.. أو ربما بالكفر. الخطوة اللاحقة– حتماً- هو التمني بأن يختفي هذا الآخر من الوجود ما دام«إخفاؤه» بالفعل غير ممكن.

هذا اللا حوار يمكن أن يقوم بين علمانيين داعشيين وعلمانيين حواريين، حزبيين من هذا الصنف ومن ذاك، شيوعيين من الصنفيْن أيضاً، وقس على هذا كل ما في هذا الكون من توجهات وأفكار..

ثقافة الحوار ثقافة إنسانية، لأنها اعتراف بتعددية الإنسانية.. وهي وطنية لأنها اعتراف بتعددية البنية الوطنية.. وهي حضارية لأنها بنّاءة والحضارة بناء، والبناء لا يقوم إلا على معرفة جوهر الطبيعة والناس والأشياء والفكر، وهو جوهر تعددي ومتغير..

ليس هدف الحوار أن يقتنع أحدنا برأي الآخر، فنصبح في النهاية ملتزمين برأي واحد، هدف الحوار معرفة الآخر وقبوله مكملاً لي، لأن العالم ليس لي وحدي، وإنما لي وله…

mahdidakhlala@gmail.com