صحيفة البعثمحليات

حملة “الصيدلية للصيدلاني” للتخلص من المتطفلين والدخلاء النصوص القانونية الحالية لا تتماشى وتطور المهنة 

دمشق- عبد الرحمن جاويش

يفوق عدد الصيدليات المخالفة في مجال محافظة ريف دمشق عدد الصيدليات المرخصة أو التي تُدار نظامياً من قبل اختصاصيي الصيدلة، في ظل إجراءات قمع نقابية تصطدم بصعوبات كبيرة تواجه عملها، ومع ذلك يعترض بعض الصيادلة الكثير من القضايا والمشكلات التي تتحدث عن الكثير من الهموم المهنية، وفي مقدمتها أولئك “المتصيدلون” الدخلاء على المهنة، الذين يتركون خلفهم أخطاء قاتلة، فهناك من يستأجرون شهادات صيدلة، وهناك من يوزع الأدوية كمندوب مبيعات، ويحمل شهادات قد لا تتجاوز في الكثير من الأحيان الإعدادية والثانوية!.

ومع أن الكثيرين يضعون الصيادلة في قفص الاتهام، إلا أن الكثيرين منهم يعتبرون واقعهم مريراً على عكس ما يتوقع البعض، فقد انخفض دخل الصيادلة خلال الحرب لأسباب عدة منها: انقطاع الدواء في فترات سابقة، وازدياد أعداد الخريجين، كذلك رأس المال الكبير الذي يحتاجه الصيدلاني ليؤسّس صيدلية، علماً أن الأخير يعامل معاملة المهن التجارية لناحية ضريبة الدخل ورسوم النظافة وأجور الكهرباء ورسوم النقابة، وفي نواحٍ أخرى يعامل على أنها مهنة علمية خدمية وإنسانية، فالصيدلاني يتقاضى شريحة الربح ذاتها لأي مهنة تجارية أخرى، ليسأل الكثيرون: أين مردود الشهادة العليا والدراسة المتعبة، فجميع المهن العلمية الأخرى تتقاضى أجرها أو مردودها المادي تبعاً لدرجة التحصيل العلمي كما في نظام العاملين بالدولة، والمهن الحرة مثل الأطباء والمهندسين.. الخ، علماً أن القانون النقابي كفل الحق في الأجر العلمي أو الفكري، وما زال التنظيم النقابي يطالب بهذا الحق. أحد الصيادلة الذين التقيناهم يؤكد أن ظاهرة “المتصيدلين” انتشرت بشكل واسع خلال فترة الأزمة، حتى أصبحت تشكّل تهديداً للأمن الصحي للمواطنين، الأمر الذي يفرض معالجة هذه الظاهرة وإزالة أسبابها.

وعن أسباب انتشار هذه الظاهرة يرى الصيدلاني أن المشكلة تبدأ من تخريج عدد لا يقلّ عن ألفي صيدلاني سنوياً من طلاب 14 كلية صيدلة خاصة. ومع اكتظاظ الأرياف بالصيدليات، أصبح بعض الخريجين والخريجات خاصة يعمد إلى تأجير شهادته في الأرياف ريثما تنتهي الخدمة المقرّرة في الريف مدة عامين، وأنه في البداية كان الطلب عليها من قبل ممرضين وخريجي معاهد صحية، ومع الوقت أصبحت النظرة لهذا المشروع تجارية بحتة لاستثمار أرباح الصيدليات، وأصبحنا أمام أشخاص لا يمتّون للوسط العلمي الصيدلاني الأكاديمي بصلة، لتبلغ جرأة البعض حدّ ممارسة المهنة في مراكز المدن. وطالب البعض بضرورة زيادة هامش الربح ورفض تطبيق القرار (٢٥/ت) لمخالفته للأنظمة والقوانين، وكذلك ضرورة زيادة الاستثمارات لتخفيض الرسوم السنوية. وطالب صيادلة بضرورة إحداث مشاريع استثمارية لصالح النقابة للتخفيف من الرسوم المفروضة على الصيادلة، والتراجع عن القرارات المخالفة لأنظمة المهنة، وإعطاء 5% من الـ 55% التي أُعطيت للمعامل من ريعها ومحاربة الدخلاء على المهنة وكل من يمارس مهنة الصيدلة من غير ترخيص من الجهات المختصة وحلّ القضايا العالقة التي يعاني منها الصيدلاني.

بسبب الحرب وهجرة العديد من الأطباء والصيادلة، انتشرت مؤخراً ظاهرة تأجير أو استئجار شهادة الصيدلة أو الصيدلية، وفي هذا الأمر تقع العديد من الأخطاء، سواء في صرف الأدوية الموجودة في الوصفة الطبية، أو حتى وصف دواء من دونها، ما أدى إلى حدوث أخطاء لا تُغتفر في مهنة الصيدلة، كإعطاء أدوية خاطئة، أو صرف العلاج دون وصفة طبية. وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة تحديث بعض القوانين والأنظمة المتعلقة بمزاولة مهنة الصيدلة، واتخاذ قرارات جديدة للحدّ من المخالفات.

لم ينفِ غالبية من استطلعنا آراءهم من الناس اعتمادهم على الصيادلة كأطباء بسبب تدني مستواهم المعيشي -كما يقولون- في قراهم بريف دمشق يعتمدون بشكل كبير على الصيدلاني القريب منهم، لعدم توافر الأطباء الاختصاصيين في قريتهم ولبعد المسافة وتكاليف السفر من منطقة إلى أخرى. أحد الصيادلة يقول 90% ممن يراجعون الصيدلية يقومون باستشارته في الدواء المفروض تناوله، ويتدخل في هذا الأمر بحدود خبرته، مشيراً إلى خطورة مهنته وضرورة وجود الصيدلاني في صيدليته.

ندرك أن الدواء مادة كيميائية ولها تأثيراتها الجانبية، والصيدلاني الأكاديمي هو الوحيد الذي يستطيع معرفة مكونات الدواء وتأثيراته، خاصة وأن مواطننا يعتمد في الكثير من الحالات على الصيدلاني للاستطباب دون اللجوء إلى الطبيب المختص، وهنا يكمن دور الصيدلاني الأكاديمي الذي يضطر أحياناً إلى تشخيص حالة ما كانت تستدعي ذلك.

وعن وجود بعض الشكاوى على الصيدليات التي تقوم بتعديل السعر عن طريق الشطب، قال نقيب صيادلة ريف دمشق الدكتور عصام مرعشلي:  المشكلة في بعض الصيدليات أنها تكون في المناطق البعيدة في ريف دمشق، أو أن هناك من لديه كمية كبيرة من الأدوية لا يستطيع التعديل بشكل مباشر عن طريق لصاقة معينة، فيضطر لشطبها أمام الزبون قبل بيعها بدقائق، ومع ذلك فإننا، كنقابة، أكدنا على جميع الصيادلة في المحافظة ألا يلجؤوا إلى الشطب إنما كتابة السعر على لصاقة صغيرة يشتريها الصيدلاني من أي مكتبة، الأمر الذي يمنع المواطن من الشك بالصيدلية أو أنها تبيع بسعر زائد، وبذلك تكون هناك ثقة بين المواطن والصيدلاني.

وفي ردّه على موضوع تأجير الشهادة حذّر نقيب صيادلة ريف دمشق من خطورة  تأجير الشهادات، نافياً وجود هذه الحالات في ريف دمشق، وأنه لا يجوز تأجير الشهادة لأي شخص فهذا مخالف للقانون، وأي شخص يمارس المهنة دون ترخيص يعرّض نفسه للحبس ولعقوبات مالية وإغلاق الصيدلية.

وحول ردّه على القول: إن مهنة الصيدلة اليوم هي مهنة تجارية ربحية قال: تحوّلها إلى مهنة تجارية ليس صحيحاً، ولكن ربما وبسبب الضغط المادي الذي يقع على عاتق الصيدلاني أصبح مضطراً لبيع بعض المستحضرات والتي من المفروض أن تتبع للصيدلية، فهو لا يتعدى في ذلك، بالعكس بعض المحلات والسوبر ماركات هي من تتعدى، والبعض منها يبيع الأدوية خارج القانون ويعاقب المخالف على ذلك وفق الأنظمة والقوانين.

ومع ذلك يرى د. مرعشلي أن الصيدلاني هو صمام الأمان الأخير ضمن الحلقة الطبية، وهناك قلّة قليلة من الدخلاء الذين استغلوا فترة الأزمة واعتدوا على المهنة. ولأن الصيادلة شركاء حقيقيون في إعادة الإعمار فقد قاموا بإطلاق حملة “الصيدلية للصيدلاني” للتخلّص من المتطفلين على المهنة، حيث قامت اللجان بالجولات على كافة الصيدليات للاطلاع على الواقع والوقوف على معاناة الصيادلة والعقبات التي تواجههم والعمل على نقلها عن طريق النقابة المركزية إلى الجهات المختصة وضبط المخالفات لدى البعض ومعالجتها ضمن الأنظمة والقوانين.

وأشار نقيب الصيادلة إلى إطلاق حملة نعم للصناعة الدوائية الوطنية، فالصيدلي موجود في المعمل الدوائي ومستودع الأدوية وفي الصيدليات وفي كل مراحل إنتاج الدواء لتأمين وصوله للمواطن، والصيادلة رغم كل الظروف والصعوبات في تأمين الدواء للمواطن استمروا في الالتزام بالقوانين والأنظمة وبأسعار الدواء الصادرة عن وزارة الصحة حسب قوله.