زواياصحيفة البعثمحليات

ضياع الطاقات!

الاستسلام للخيار الوظيفي بات الحالة العامة التي يتسابق في مضمارها جميع الخريجين الجامعيين لدخول ميدان الوظيفة العامة التي تشتد المنافسة عليها، كونها خط النهاية الذي يطمح الجميع لتخطيه وتتويج سنوات الدراسة بالجلوس على أحد كراسيها داخل المؤسسات العامة، والحصول على لقب موظف من الدرجة الأولى ونيل الامتيازات وتحقيق الاستقرار الأسري الذي يضمنه الراتب الشهري “رغم تواضعه”، وطبعاً هذا طموح مشروع وحق من حقوق المواطنة التي تضمنها القوانين وحالة سائدة في العديد من الدول، إلا أن انشغال الشباب في البحث عن فرصة العمل العامة وربط مستقبلهم بهذا الطموح فقط، يعدّ من أهم التحديات التي تعرقل الجهود والمحاولات الرامية لتحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي واستثمار الطاقات الشبابية التي تُستخدم معها دائماً  كلمة “الضائعة”.

ومع انصياع قوة العمل الشابة لهذا الطموح يزداد الضغط على القطاع العام الوظيفي الذي يطالب بتأمين فرص العمل لعشرات الآلاف من الشباب، وتكثر الانتقادات لقوانين التعيين التي تُسجن دائماً في قفص المحسوبية والفساد، ويتفاقم الوضع مع ازدياد عدد داخلي سوق العمل من الشباب المتعلّم الذين يتجاهلون الأفكار التي تمنحهم الفرصة لإقامة مشاريع خاصة بهم، يستثمرون من خلالها اختصاصهم العلمي ويبرزون صفات الإبداع والتجديد والابتكار الخلاق التي يمتلكونها، وبشكل يساهم في توجيه حياتهم العملية ضمن رؤية واضحة نحو الأمان بكل جوانبه.

وما يثير الغرابة أكثر حالة القطيعة بين الخريج الجامعي والخطوات المتخذة في مجال المشروعات الصغيرة، حيث نرى مقاطعة غير مبرّرة لهذا التوجه الذي لا يمثّل فقط أحد الطرق الناجعة لمشكلة البطالة، بل يمثل استثماراً حقيقياً للإمكانيات المادية والبشرية التي تؤهل فئة الشباب لتلعب دوراً مهماً في المجتمع من خلال قدرتها على التعلم السريع، والاستجابة لمتطلبات العصر وتغيّراته إلى جانب امتلاكها لطاقة جسدية وفكرية تمكنها من التفاعل الكبير مع الحياة ومعطياتها والقدرة على التجديد.

وبالمحصلة يتوجب على الجهات المعنية أن تعي وتهتمّ بفئة الشباب من خلال استثمار هذه الطاقات والاستفادة منها في بناء المجتمع وتحقيق التنمية من خلال توجيه هذه الطاقات والأفكار التوجيه الصحيح وتأهيلهم، وكذلك التفهم والاستجابة لمتطلباتهم وتحييدهم عن تداعيات البطالة وتحرير مستقبلهم من قيود الوظيفة العامة وزيادة قيم التمويل المادي لمشروعاتهم “القروض”. وفي المقابل على الشباب استثمار طاقاتهم وأفكارهم في مشاريع صغيرة تمكنهم من القيام بدورهم البنّاء في خدمة المجتمع وتنميته، فمن غير المقبول أن يبحث مثلاً الخريج من كلية الزراعة أو البيطرة أو الاقتصاد،  أو بالأحرّى خريجو كافة الفروع الجامعية والمعاهد ووووو… عن الوظيفة، في حين تتوفر مئات الفرص لهم في مشاريع ذات رأسمال بسيط ومردود عالٍ، تحقّق لهم البحبوحة المادية وتخدم الانتعاش الاقتصادي بشكل عام!.

بشير فرزان