الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

أخطار مُسْتجدّة

عبد الكريم النّاعم

ستظلّ القضيّة الفلسطينيّة قضيّة العرب المركزيّة حتى يُحسَم هذا الأمر لصالح الحقّ العربي الفلسطيني، الذي استدعى هذا الموضوع مُسْتجدّات لم تكن مطروحة على الساحة، وبروزها الآن هو علامة من علامات اشتداد هذا الصراع الوجودي في مواجهة الخطر الصهيوني، القلعة المسلّحة لدول الغرب المتصهين.

زيارة بعض الصحفيّين والمدوِّنين للكيان الصهيوني، والإبراز الإعلامي لهذا المؤشّر أشعل الحرائق في مناطق جديدة، وكان صاعقها المفجِّر تلك الصور التي نُشرت على نحو واسع لأحد المُطبّعين، وما لاقاه على أيدي أطفال فلسطين، وتلك الإهانات التي لحقتْ به من أطفال أرض المقاومة، وقد اهتمّت وسائل الإعلام المتعدّدة بذلك، وعُقدت من أجل ذلك ندوات وحوارات، استمعتُ إلى بعضها، ويمكن التوقّف عند النقاط التالية.

-نقل عمليّة التّطبيع من مستواها الرسمي الحكومي لدول التطبيع إلى مساحات تشمل المواطن العربي، في محاولة يائسة، وهؤلاء المُستدرَجون، أو المُستجيبون لتلك الدعوات هم (عرب) بالولادة، لا بالانتماء، ولا بالوعي، وقد تكون الدوافع التي أوصلتهم إلى تلك المحطّة لاتتجاوز إرضاء الجهات الأمنيّة العربيّة بالاسم، لتلك البلدان، فهم مرتزِقة صغار، وبيادق يحرّكونها كيف يشاؤون، ولا يمثّلون مجتمعاتهم الشعبيّة في شيء، وهنا لابدّ من السؤال عن نسبة المطبّعين، حيث وُجدوا، قياسا إلى جماهير هذه الأمّة، والجواب عند (الرسميّين) في مصر، أوّل رسميّين رفعوا راية التطبيع.

-عبر الحوارات التي سمعتُها ثمّة سعي محموم لدى الملبّين للتطبيع لتحويل قضيّة صراع الوجود بين العرب والصهاينة إلى مسألة (تنمية)، وأنّ التّنمية المُقترَحة ستنقل الفلسطيني من حال قاتمة إلى حالة مُشرقة من النّاحية الاقتصاديّة، وبذلك تكون فلسطين، كقضيّة نضاليّة، جوهريّة، مصيريّة، قد أصبحت مجرّد تأمين الكهرباء  والماء، وما يستتبع شؤون الحياة، وبذلك يكون المطبّعون قد شطبوا المسألة الجوهريّة، ونجحوا في جرّ مَن هو قابل للجرّ إلى القبول بحياة أفضل، مع التخلّي عن مسألة الاحتلال، والاجتثاث، وهدم البيوت، وتشريد العائلات، فيكون وضْع أهل فلسطين في بلادهم كمَن هاجر إلى بلاد أخرى، متخلّيا عن المقدّسات الوطنيّة الضروريّة لحياة كريمة، بمعنى الكرامة الوطنية، لا بمعنى الحصول على اللّقمة، فأحد الصحفيّين الذين يتكلّمون العربيّة نادى بدعوة صحفيّين صهاينة لأيّ بلد عربيّ، وإقامة ورشة نقاش للتوصّل إلى قواسم مشتركة!!

طلب غريب عجيب، لكأنّ استرجاع الحقّ الفلسطيني لا ينقصه غير هذا، والجارح في الأمر أنّ أصحاب هذا التوجّه يزعمون أنّه بـ “الحوار”، يمكن أن تُحلّ أعقد الأمور، وهذا تتفيه ساقط لمقولة الانتماء للوطن، وهو يستبطن بشكل ما، التسليم بواقع الاحتلال، وأنّ ما كان قد كان، وهو تسليم قذر بحقّ الصهاينة في احتلال فلسطين، وإقامة ذلك الكيان، وتلك قفزة بالغة الخطورة تُلغي مفاهيم الوطن، والحقّ في العيش الكريم فيه، وتحريره من المحتلّين.

-أحد المُحاورين فرّق بين ماتريده حكومة الاحتلال، وشعب ذلك الكيان، ورأى أنّه يمكن التفاهم مع ذلك (الشعب)!.

تُرى هل يبلغ التضليل هذا المبلغ إلاّ عند مَن باعوا ضميرهم وشرفهم؟!! مَن الذي يوصل الحكومات اليمينيّة الصهيونيّة إلى مواقع قيادة السلطة في ذلك الكيان؟! أليسوا المقترِعين الصهاينة، والذين يدعمون تلك الخيارات المتطرّفة؟!

-أحد المحاورين لم يُخف استجابته لما يريده الصهاينة، وهو مانجحوا في تطبيقه في بعض المواقع، وهو أن تُشطب من القرآن الكريم الآيات التي تصف اليهود بما وصفتْهم به، منطلقا من القول أنّ ذلك متعلّق بزمن مضى وانقضى، فلماذا نصرّ على التمسّك بها، وهو بذلك يعطي لنفسه حقّ أن ينوب عن المسلمين جميعا في شطب مايخدم ذلك المشروع!

تُرى أهذا لسان (عربيّ) أم لسان (عِبريّ)؟!!

إنّ أمّة صمدتْ سبعين سنة في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وهي في أضعف حالاتها، لن يضيرها أن تصبر حتى بلوغ الزمن الذي يحمل بشارات النصر، والتحرير.

إنّ كلّ مايجري فوق هذه ألأرض العربيّة من تعثرات، ومن التواءات مخيفة هو ناتج كامب ديفيد، أمّ الكبائر السياسية، ولواحقها في أوسلو، وفي وادي عربة، وما استتبع ذلك من قبول بالتطبيع الذليل.

aaalnaem@gmail.com