اقتصادصحيفة البعث

التشريعات بين الإعداد والإصدار والاعتماد

 

إضافة إلى التشريعات الأعلى الصادرة والمعتمدة سابقاً، والواجبة الاعتماد حكماً، تصدر سنوياً مراسيم وقوانين جديدة عن رئاسة الجمهورية مروراً بمجلس الشعب، وتكون واجبة الأخذ بها عقب التاريخ الذي يحدد ذلك في خاتمتها، ويترافق مع ذلك -في جميع الإدارات– تتالي الكثير من القرارات والأوامر الإدارية والتعليمات الصادرة سابقاً، أو التي تصدر مجدداً عن الجهات الرسمية الأدنى بدءاً من وزير وانتهاء برئيس دائرة، والواجبة الاعتماد أيضاً، بما في ذلك مجموع المراسلات العديدة التي تتم بين الإدارات ضمن الوزارة الواحدة، أو ضمن المحافظة أو بين الإدارات العائدة لأكثر من جهة عامة، فيما يخص مجريات العمل المنوط بها، أو ما يخص علاقة المواطنين مع هذه الإدارات، أكان ذلك بصفتهم الشخصية أو المؤسساتية.
مجمل هذه التشريعات متداخلة فيما بينها، ومن المفترض أن تكون متكاملة مع بعضها، ومحط تفهُّم واهتمام وتطبيق جميع العاملين في الإدارات، في ضوء انطباق هذا التشريع أو ذاك على طبيعة عمل كل منهم، وتبعاً لحجم ونوعية العمل الموكل له، خاصة من هم في مواقع الإدارات أو مفاصل العمل، وتحديداً ما هو عالق منها من زمن ما، على هذه الطاولة أو تلك – على اختلاف مهام وتسميات من يجلسون على كراسيها- تحت حجة أن ذاك التشريع أو القانون لا يسمح باعتماد ذاك القرار أو تلك التعليمات، أو تنفيذ تلك الإجراءات، وحقيقة الأمر أن الكثير من هذه الإشكالات، يعود لقصور في ذهنية المسؤول المعني، أكان في موقع القرار أو في أحد مفاصله، وقد لا يخلو الأمر من عرقلة مقصودة بين حين وآخر وعن سابق إصرار وتصميم، ما أدى إلى أن ترتب على هذه الإشكالات تأخر إعادة النظر في العديد من التشريعات القديمة الواجبة التعديل، وتأخر صدور بعض التشريعات الموعودة، كما هو حال قانون العمل المعمول على إعداده منذ سنوات، وحتى الآن لم يصدر، وكذا حال تشريعات إصلاح القطاع العام المطروحة منذ سنوات، والذي صدر بخصوصه الكثير من القرارات والتعليمات والأوامر الإدارية، عدا عن اللجان العديدة التي تم تشكيلها للنهوض به، بدءاً بلجنة الـ /35/، وما تلاها من لجان، وجميعها لم تخلص لنتيجة حتى تاريخه، ناهيك عن تتالي المثيل من ذلك، بشأن اعتماد آلية لمكافحة الفساد، ولم يتم إنجاز ذلك، ولم تعتمد آلية معينة حتى تاريخه، وما زالت العديد من قضايا الفساد الكبيرة التي أثيرت أو التي لم تظهر إلى العلن، حبيسة الأدراج ولم تظهر نتائج معالجتها رغم الوعود التي صدرت –قبل حوالي عام- عن كبار المسؤولين بإظهارها، فهل طواها النسيان أو أحيلت إلى التفتيش، بملفها الكبير المتعدد الملفات، التي يحتاج الغوص بها إلى سنوات، أم بعضها الذي أحيل إلى القضاء، مازال قيد التداول من جلسة لأخرى، أو أبرئت ذمة الجاني وارتدى لبوساً جديدة، يفاخر بارتدائها.
والمؤسف أن مشروع الإصلاح الإداري المثار منذ سنوات، والذي تم تكثيف العمل المميز بشأنه مؤخراً، نتيجة تميز إطلاقه وانطلاقته قبل سنتين، كان من المتوقع صدور تباشيره مع بداية /2019/، ولكن لم تتمخض أية نتائج واضحة عنه حتى تاريخه، وما زالت الدراسات المنجزة عنه غارقة في الوثائق والمصطلحات، حسبما جاء مؤخراً في أحد التحقيقات الصحفية عنه، والملفت للانتباه أن بعض التشريعات المواظب على العمل بها، لا تجد من يناقش تعديلها بغية اجتناب منعكسات العمل بها في الظروف الحالية، ومنها التشريع المعمول به في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الذي يقضي بإغلاق المنشأة المخالفة لمدة معينة، هذه العقوبة (الإغلاق) لن يقتصر ضررها على المخالف الذي يدير المنشأة، بل ستشمل عقوبة آخرين ليس لهم ذنب في المخالفة، ومن هؤلاء، الشركاء حال وجودهم، إذ سيتضرر دخلهم الشهري، وستشمل هذه العقوبة العاملين بأجر في المنشأة، إذ قد يقتطع مالكها تعويضهم عن أيام الإغلاق، وستشمل العقوبة الربح الذي كان يحققه مزودو المنشأة بمختلف المواد التي تلزمها خلال مدة الإغلاق، وأيضاً ستشمل أولئك المعتادين على ارتياد المنشأة لقربها منهم أو لتوفر حاجاتهم فيها بأسعار ونوعيات جاذبة لهم، إنما عقب العقوبة التقليدية يجدون أنفسهم ملزمين بالبحث عن حاجاتهم من مكان آخر، أليس من الأفضل أن تكون العقوبة مادية بمقدار ضعفي الدخل المتوقع للمنشأة خلال مدة الإغلاق مع إلزام المخالف بتعليق لافتة بالخط العريض مدون عليها نوع المخالفة والعقوبة المادية المفروضة.
في ضوء ما سبق، أليس من الجائز التساؤل عن دور مجلس الشعب في ذلك طالما أن الدور الأساس المنوط به هو التشريع والمراقبة.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية