ثقافةصحيفة البعث

الإنسان ومثاقفة الوعي

 

نزار بدور

يشكل الإنسان محور التفاعل الخلاق ما بين حيويته كائناً يؤكد ذاته بالفعل عبر تواصله مع الحياة وعياً معرفياً وحضوراً سلوكياً, يؤكد ذلك ما يتراءى من تفكير يعبر عن ثقافته وقناعاته وآرائه, يضاف إلى ذلك ما تتسم به أفعاله في مدارات الحياة ومواقع العمل, وما يختزنه من اكتساب وتفاعل بنيوي مع حيثيات الواقع من جانب والناس من جانب آخر.
وقد أضحى الوعي البشري حقلاً خصيباً يتسع على امتداد آفاق مقولة: “العالم قرية كونية جراء الفضاء الإلكتروني ووسائل الاتصال والتواصل ودنيا التقانة التي أضحت تكثيفاً رقمياً يوجز عبارات لحروف وكلمات، فهذا كله يحتم الدور التاريخي للإنسان كائناً نوعياً في مقاربة كل أمر, ومتابعة موقف. هكذا كان شأنه في سابقات عصور ولاحقات غيرها، كونه يشكل هذه الركيزة الأساس لصرح الكينونة البشرية في جوهرها ضمن ثنائية الماضي والحاضر, ومن ثم تشكيلاً للمستقبل ضمن وعي إنساني, عباءته مقصبة بألوان شتى من خيوط المعرفة الإنسانية وعلومها وفنونها وأشكالها التعبيرية امتداد الصيرورة زمانية هي مؤونة الحضارة الإنسانية عبر التاريخ, وهكذا تواصلاً مع المستقبل، فالتراث الإنساني كنز الوعي البشري في عراقة الجهد, وحصافة التفكير, ونبوغ الابتكار الإنساني المطلق ضمن معمارية متجانسة الأبعاد لما يتماهى به الإنسان فيض وجدان وغنى عقل، فهذا التراث الكامن ضمن هذه الآفاق الشاسعة لحضور إنسان في وعي الحياة وبلوغات الدّنا اختلافاً بناء, إنما يشكل أطيافاً من فاعلية لجماليات الحضور الإنساني في حقول المجتمعات والأوطان والقارات، ضمن متسع الحضارة الإنسانية التي هي جهد البشرية يتقدمها الإنسان في كل زمان ومكان، فالفعل الحضاري هو لقاء الإنسان بالإنسان في جوهره الصرف قيماً وعطاء ونضارة خير تتجاوز الشر والعدائية والجشع ومهالك نتوءات لا قيمة لها أمام وعي الحضارة في شموليتها قيمة وقامة، فعلى مطلول الفيض الإنساني في مثاقفة التراث ومواكبة الحاضر, ما بين أصالة ومعاصرة إنما يدفع بالإنسان نحو المزيد من مكانته في مرامي الإبداع وصقل كينونته في مرتسم الحضارة الإنسانية. وهذا يقوي رصيد العقل البشري في كل زمان ومكان ولعل قول روسو يوضح معنى الجمال في إدراك مكانة كل فرد ومجتمع وحضارة في اتساع هذا الكون الرحيب عبر دلالة إدراك قيمة هذا القول: “أنا لست الأفضل لكني مختلف” أي لدى كل فرد قيمة مضافة تشرق بوعيها ووعي غيرها.
إن ود العلاقة الإنسانية بما يختزن من خير هو اختلاف جمال عن جمال فروق فردية في مدى تباينها تعمق مدى جمال تقاربها وفق يد زندها يقوى بتعاضد كل بناء وخير لصالح الإنسان، في احترام قيم الحق والخير والجمال وساميات القيم على تنوعها، إنه الوعي البشري الضارب الجذور في سبق حضارات درجت على عصور وفاضت مكارم من حفاوة لوعي خصوصياتها تمكيناً لمعنى المواطنة والتراث واللغة، وتعزيزاً لدور الاكتشاف عبر التعلم الذاتي والإفادة من تجارب الآخرين كما أشار “هيغل” وكذلك مكانة الفرد في نباهة حضوره لوعي دوره في ثقافتنا العربية كما نقرأ عند “ابن باجا” في أهمية التنوير العقلي عبر وحدة العقل والاهتمام بالذات في تمكين الفرد ذاته عبر التأمل والعودة إلى العقل.
أجل تشدنا الحياة عبر دورنا فيها لنكون صوراً ناصعة على سطورها ومعالم ناطقة بتعاضد بناء نقرأ الماضي بثقافة العقل ونمضي بالحاضر بنبوغ إعمال التفكير المتعدد الذكاءات، وننشد المستقبل أصورة من آفاق تشرق فيها شموس الحياة أنوراً تفيض على تضاريسها معارف وعلوماً وقيماً ودوراً حضارياً يؤسس لمرتكزات حضارية مداها المستقبل ما امتد الزمن ونضارتها الإنسان.