دراساتصحيفة البعث

بريطانيا بيدق في يد الولايات المتحدة

 

ترجمة : لمى عجاج
عن موقع نيو استرن أوت لوك 28/7/2019

لا حاجة لبريطانيا إلى الخصومة والعداء مع الولايات المتحدة بينما الفرصة متاحة أمامها للعب دور الخل الوفي والصديق الصدوق، وهذا بالفعل ما نشهده اليوم فقد نجحت واشنطن في استدراج بريطانيا وأقحمتها في المواجهة، وكانت النتيجة أن ابتلعت بريطانيا الطعم وقامت بالاستيلاء على إحدى ناقلات النفط الإيرانية التي زعمت أنها تنتهك قرارها بمنع سورية من استيراد النفط الخام، لكن الولايات المتحدة الأمريكية تركت (صديقتها المقربة) تتوه في نفقٍ مظلم وتقف وحيدة في خط المواجهة لتتنصل كعادتها من المسؤولية.

أياً كان نوع العلاقة التي تربط الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اليوم فهي لن تكون أفضل حالاً مما كانت عليه في الماضي في عهد رئيس الوزراء طوني بلير الذي كان حريصاً كل الحرص على الرقص على الإيقاع الأمريكي والعوم على عومه وخاض معه حربه غير المسبوقة على العراق، واليوم نستطيع أن نرى بكل وضوح ما آلت إليه حال الصداقة التي تربط بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة في ظل نظام ترامب العالمي الجديد والتي باتت بعيدة كل البعد عن ما تتضمنه هذه العلاقة من متطلبات.
لقد أصبحت بريطانيا بيدقاً في يد الولايات المتحدة في لعبة الشطرنج التي تلعبها والتي تسعى فيها بحسب منظورها الضيق الأفق الوقوف في وجه أولئك الذين قد يشكلون خطراً يهدد الهيمنة الأمريكية، ولا داعي للتذكير بأن قائمة الأعداء لا تعد ولا تحصى. فعندما ينحصر تصور أمة ما بأن وجودها قائم على العداء الدائم لغيرها لتعزيز إحساسها بالذات فهذا يعني أن مثل هذه الأمة تعتبر أن كل من حولها هو عدو لها وهذا ما يفسر النزعة الأمريكية التي تدفعها إلى انتهاج هذه السياسة بشكلٍ ظاهر في كل مواقفها العسكرية. فإذا كان البعض منا يعيش في وهم الفكرة التي تقول إن بريطانيا قد وقعت في فخ أقرب حليف لها بهدف ترويض إيران وتمكين صقور الحرب من استخدام مخططاتهم الجيوسياسية المنحازة، فعليه أن يعيد النظر ويتطلع إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير فالعداء الأمريكي لإيران قديم الأجل، لذلك يجب عليه أن يقرأ ما بين السطور ويتعمق في دراسة النوايا الدفينة، وبغض النظر عن النية التي تبيتها أمريكا لإيران فإن هدف الولايات المتحدة الأكثر مباشرة للأزمة المتزايدة في مضيق هرمز يقع على بعد آلاف الأميال شرق الجمهورية الإسلامية فأنظار الرئيس ترامب متجهة نحو الصين. وهذا ما يفسر الحرب التجارية التي تخوضها الولايات المتحدة في الوقت الراهن مع الصين وتوضح سبب سعادة الرئيس ترامب عندما أشار قبل أسابيع قليلة فقط إلى أن أي أزمة متعلقة بطريق النفط العالمي لن تقتصر على أمريكا فحسب بل ستؤذي الكتلة الآسيوية بأكملها، وهي التهديدات التي أصبحنا معتادين على سماعها.
وعلى ما يبدو أن الصين تتفق مع هذا الرأي، حيث أكدت التقارير الواردة لهذا الأسبوع أن بكين زادت من بصمتها العسكري على طول “طريقها الحريري” البحري ، في إشارة واضحة من الصين على أنها مستعدة للدفاع عن مصالحها ضد أي محاولة تستهدف تعطيل طريقها الاستراتيجي لإمدادات الطاقة، مع مراعاة الحاجة المتزايدة إلى إظهار القوة في مواجهة العداء المبيّت والواضح من قبل الرئيس ترامب. قد يكون من الجيد أن نتذكر أن الولايات المتحدة تبحث دائماً عن تهديدات جديدة وأن الصين أصبحت منافساً لتفوق أمريكا الجيولوجي الاقتصادي وهو أمر من غير المرجح أن تغفره واشنطن … تماماً مثلما لم تغفر لإيران إعلان استقلالها، لذلك تلعب واشنطن هنا على فرضية ترسمها منذ فترة طويلة في مخيلتها وهي أن تستجيب المملكة المتحدة لرغبتها وتلجأ إلى العنف لتجد لنفسها مخرجاً من هذه الأزمة، وبالتالي اللعب مباشرة على آمال ترامب الزائفة وأحلامه بقوة خليجية تتولى إدارة مضيق هرمز مثل هذا الطموح، الذي جعل ترامب يبتهج لاستقالة وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت الذي أكد بأنه سيدعم رئيس الوزراء الجديد في الخروج من الاتحاد الأوروبي بغض النظر عن التوصل إلى اتفاق من عدمه.
إن تردد بريطانيا في الذهاب إلى هذا الأمر بمفردها يعكس حقيقة مثيرة للاهتمام وهي ببساطة أن بريطانيا لا تملك القوة البحرية اللازمة لحمايتها والتي كانت جميع القوى العالمية تحسدها عليها فيما مضى فقد تقلصت البحرية البريطانية شيئاً فشيئاً كنتيجة لتدابير التقشف الصارمة التي تعين على بريطانيا اتخاذها للنجاة من الركود الاقتصادي الذي تمر به البلاد، لقد كشفت أزمة إيران عن انخفاض حاد في حجم البحرية الملكية البريطانية مما دفع الخبراء إلى الاعتراف بأن القوة البحرية “هزيلة جداً” للتعامل مع النزاع الدولي.
وعلى الرغم من كل رغباتها وطموحاتها أصبح من الواضح الآن أن المملكة المتحدة لم تعد قوة بحرية قوية على الأقل ليس في مواجهة القوة العسكرية الإيرانية التي قابلت كل هذا العداء بالالتزام بالسلام الإقليمي وإظهار ضبط النفس في الوقت الذي كان من الممكن أن تظهر فيه العكس، لم تجدي مقامرة جون بولتون أي نفع سوى أنها عرّت حقيقة المطامع الأمريكية ليس في الصين فحسب بل بحلفائها الأوروبيين بما في ذلك المملكة المتحدة كما أظهرت المزيد من العداء والشر الذي أضمرته أمريكا قديماً وحديثاً على حدٍ سواء وفضحت عنجهيتها أمام حلفائها الدوليين، فمن هذه الفكرة تنبع العزلة الأمريكية المتأصلة منذ القدم على الساحة الدولية.