تحقيقاتصحيفة البعث

عندما يغيب الزواج المتكافىء منافسة في ميدان كسر الشريك وإثبات الذات.. وعلاقة محكومة بالفشل والقلق الأسري

لا يمضي يوم دون أن نتدخل لحل الخلافات التي تراكمت في حياتهما الزوجية، ولفض ذلك النزاع الأبدي بين منى، وهي المرأة المتعلّمة العاملة التي تمتلك عقلية منفتحة على الآخرين، وموهبة شعرية تعكس شخصيتها العاطفية الحالمة، والباحثة في عالم الخيال عن حياتها الزوجية المفقودة في غياهب الصدمة من شخصية الشريك المغلقة التي لا تتقبل شخصيتها المستقلة ورأيها كمتعلّمة ومربية أجيال مؤمنة بقدراتها ونديتها للمجتمع الذكوري القائمة على قاعدة: “خلي الشوارب على جنب”!.

أما سامر “الزوج” فهو الشخص العملي الذي لا يعرف سوى المطرقة والسندان، وكلام صاحب المهنة الذي أتقن فن تطويع الحديد ولي وكسر صلابته، إنه الحداد الذي تعكس خشونة يديه طبيعة مشاعره القاسية، وفهمه للحياة من باب الجد والمثابرة، والتعامل مع الواقع بعقلية 1+1=2، وهنا لا مكان للعواطف أو الكلام الفارغ الذي تتشدق به زوجته “ثرثرة المتعلّمات”، كما يقول، ويجب زجرها، ولجم الترهات التي تتكلم بها، وتحييد علمها وثقافتها المزعومة بوجوده، وكل ما عليها أن تثابر لترضيه، وتقدم له فروض الطاعة كأية زوجة صالحة.

 

متناقضات ناجحة

في بيوت أخرى نابضة بالحب والرقي نجد أن القدر جمع بين شركاء من بيئات مختلفة، وبمستويات تعليمية متباينة بشكل كبير، فزوج هيفاء، العامل في مهنة الحلاقة، لم يشعر بالفرق بينه وبين زوجته المتعلّمة والموظفة، فلكل إنسان مهمة ودور في هذه الحياة التي لا فرق فيها بين المرأة والرجل إلا من حيث العطاء، ومسألة التعليم بالنسبة لهذه العائلة هي حالة مهمة بالنسبة للأولاد، وضرورية للمستقبل، ولكنها لا تحمل صفة الأولوية بالعلاقة الزوجية التي تبنى بالحب، والتشاركية الخالية من العقد والحواجز والإيمان بالشريك، وشخصيته المتميزة، وطبعاً هيفاء التي ترى في زوجها المثقف الذي لا يستطيع أي متعلّم منافسته في المعلومات والثقافة، فرضت عليه الحياة وظروف أهله أن يكون غير متعلّم، لكنه يقرأ الصحف، ويمتلك فكراً حراً، ويطالع الكثير من الكتب،  ولا يتوانى في تحفيزها وتشجيعها على متابعة تحصيلها العلمي العالي، وإكمال رسالة الماجستير في الكيمياء: “الوعي والتفاهم أساس زواجنا، لم يبن على توقيع شراكات، وتقييم كفاءات.

مساعدة الشريك

لم تقف العادات والتقاليد في طريق أفكاره فقد تزوج حسان، المخبري الناجح من ابنة عمه غير المتعلّمة، واستطاع كما يدعي أن يقرب المسافة العلمية والثقافية معها، فهو يؤمن أنه يمكن التغاضي عن تشاركية الأفكار، والاهتمام والميول حتى في المواهب لفترة محددة، ولكن بشرط الرغبة المشتركة القائمة على الحب بين الطرفين، والإصرار على متابعة الحياة الزوجية، والعمل المتواصل على تنمية وتدعيم ثقافة كلا الشريكين،  وتحفيز الشريك غير المتعلّم، وتشجيعه على القراءة والمطالعة، وعلى استخدام الحاسوب، وكل ما يفيده لرفع حالته الثقافية، ويدافع حسان عن فكرة أنه ليس كل متعلّم مثقفاً، والعكس صحيح، وهناك أمثلة كثيرة تكون فيها حياة صاحب العلم فاشلة بامتياز من كافة النواحي، فالكثير من المتعلّمين يبتعدون عن المطالعة

والقراءة وحالة تثقيف الذات بمجرد إنهاء المرحلة التعليمية بكل مستوياتها، فنجدهم غير ملمين بما يحدث من مجريات الأمور من تطور فكري، وعلمي، وثقافي.

قبل الزواج

في كلية الآداب، وفي مقصف كلية الصحافة تحديداً، جلسنا مع هلا، وريا، ولين، ومحمود، وخالد على إحدى الطاولات، وهم من كليات مختلفة تجمع بين بعضهم أيام دراسة سابقة، وعلاقات صداقة وزمالة جامعية، حيث تعاركت الأفكار والأحلام المتناقضة في حوار ابتدأته لين بالقول: “ما بدي متعلّم ولا بدي عقد، بدي رجل مكتنز (مقتدر مالياً) يستطيع تلبية كل حاجات وكماليات الحياة الزوجية بعيداً عن التعليم”، طبعاً كان هذا الكلام موجهاً بحسب النظرات والحركات نحو خالد الذي لم يتوان بالرد: “هذا تفكير البنت السطحية التي لا تعرف قيمة العلم والرجل المتعلّم”، وهنا تدخلت هلا لتقطع خط النظرات الساخن بين لين وخالد بكلمات حاسمة وواثقة: “لقد رفضت كل من تقدم لخطبتي، لأن معظمهم غير متعلّم، ولا أقتنع بأن المال وحده يحيا الإنسان، فالرجل المتكامل والمناسب علمياً وفكرياً من الصعب إيجاده”.

وفي زحمة النظرات والمعاكسات الكلامية جاءت عبارات محمود: “سيد راسي هي العبارة التي أحب أن أسمعها من زوجتي المستقبلية، وواجب الزوجة المثالية تربية الأطفال، وتعليمهم، وخدمة زوجها، بلا تعليم، وبلا وظيفة ووجع راس”، هذه العبارات المعبّرة عن رأي حقيقي واقتناع تام أجهزت على جدية الحوار الذي انتهى بضحكات شبابية عالية استفزت بنات حواء اللواتي لم يكن ردهن متوقعاً، فقد استخدمن عبوة المياه لتفريق تلك الوجوه الضاحكة.

وما يثير الغرابة أن أكثر الذين استطلعنا آراءهم في الجامعة كانوا يتحدثون بمنطق متناقض، فهم يرغبون بالمرأة الموظفة، ويسعون للارتباط بها، ولكنهم في الوقت ذاته لا يؤمنون بنجاح الزواج من المرأة المتعلّمة، وبالعكس، على اعتبار أن العلاقة بينهما تكون مشحونة بالندية التي يصعب تقبلها من كلا الطرفين.

تداعيات الشخصية

ماري خوري، رئيسة اللجنة العاملة في الاتحاد العام لنقابات العمال، اتفقت مع رأي الباحثة الاجتماعية هند زين التي ترى في العلم أحد المعايير الاجتماعية المهمة التي تبنى عليها الحياة السليمة بين الزوجين، فلابد من التوافق الفكري، والمستوى التعليمي بينهما لكي لا تظهر مشكلات مستقبلية تتعلق بإرضاء الذات، فالمرأة لا تشعر بالنقص إن وصل زوجها إلى مستوى تعليمي أعلى منها، بينما الرجل يشعر بالنقص، وقد تتشكّل لديه (عقدة) إن كانت زوجته أكثر تعليماً منه، كما اتفقتا على أن المستوى المادي لا يشكّل دوراً مهماً بين الزوجين، كما هو حال العلم، لأن المال حالة تشاركية في الأسرة الواحدة، بينما العلم نابع من شخصية المرء الذي أثبت نفسه وجدارته في الوصول إلى المستوى والطموح الذي يبتغيه.

ماذا تقول الدراسات؟

العديد من الدراسات الاجتماعية التي قام بها علماء الاجتماع والخبراء في زواج المتعلّمات من المتعلّمين أو العكس تتفق على أن الشعور بالنقص لا يتوقف عند المتعلّمين فحسب، بل عند زواج أصحاب الحرف والأعمال والتجارة أيضاً، فغيرة الرجل من نجاح المرأة ليست جديدة، بل واضحة عبر التاريخ، ومنذ أن أكل أدم تفاحة حواء، خاصة أن المرأة تشهد تقدماً على جميع المستويات، ولا يقف شعور النقص عند الرجل غير المتعلّم أمام تعليم المرأة فقط، بل عند نجاحها بعملها، أو نجاحها بحياتها الاجتماعية، هذه القاعدة لا يمكن تعميمها على العلاقات الزوجية كافة، فهناك علاقات استطاعت النجاح، وتحقيق التكامل، والتخلص من تداعيات الصراع التاريخي بين الرجل والمرأة لإثبات الذات، وبأسلحته المعروفة كالغيرة من التفوق الذي يضع الكثيرات أمام خيارين: ترك دراستها وإيقاف مستقبلها عند نقطة الصفر الثقافي، وبالتالي حرمانها من العمل، ومن فرصة إثبات ذاتها كشريك حقيقي، وكسر عضويتها في المجتمع، وملاحقة مستقبلها بصفة الضلع القاصر، أو اختيار إكمال المسيرة التعليمية، وبالتالي تحقيق وجودها الفاعل، والتخلص من عقدة الذكورة، وغالباً ما تكون المحصلة الحرمان من الحياة الزوجية، ومشاعر الأمومة، والتعرّض لانتقادات المجتمع الذكوري.

وبعكس حال الكثير من العلاقات داخل المجتمع، يؤكد علماء الاجتماع أن التعليم لكلا الزوجين يزيد من نسب التفاهم، ويقوي العلاقة الزوجية والفكرية بينهما، ويستطيعان بتر الخلافات الزوجية إلى أدنى درجة ممكنة نتيجة الثقة وعدم الشك بأن كلا الزوجين يعبّران عن رأيهما وحقهما وواجبهما دون إجحاف بحق بعضهما.

ويجد علماء الاجتماع أن الغيرة والشعور بالنقص لدى الأزواج الأقل تعليماً من المرأة واضحة، ولكن بنسب مختلفة تلعب البيئة الاجتماعية دورها، والمرأة تشعر بالغيرة من تفوق الرجل، لكنها لا تظهر كما الرجل نتيجة طبيعة الرجل الشرقي المنفعل.

من بيادر الزوجية

تبرئة العلاقة بين الرجل والمرأة من أزلية التفاحة وأحكامها الغيبية المطلقة تحتاج إلى جهود كبيرة، وتعاون متواصل بين المجتمع الأهلي ورجال الدين من جهة، والجهات التربوية التي تتشارك فيما بينها مسؤولية كسر تلك المفاهيم والعادات، وتحييد الحالات الإيمانية الخاطئة التي مازالت تلعب على وتر التميز بين بنات حواء ذوات العقل الناقص وأبناء أدم ممنوحي الولاية.

ولكن بالمحصلة هناك الكثير من النقاط التي ستبقى في حكم الجدلية نظراً لخضوعها لصيرورة الحياة البشرية، وعلاقاتها الإنسانية التي يحكمها الفشل والنجاح في وقت واحد، وهذا يعود لشخصية الإنسان وتكوينه الفكري، وهذا ما يصعب عملية الحكم على نجاح أو فشل العلاقة الزوجية التي تربط بين المتعلّم وغير المتعلّمة، وبالعكس.

 

Basherf72@gmail.com