ثقافةصحيفة البعث

اللوحة الحروفية.. إعجاز بصري وبلاغي

تباينت وجهات النظر حول مصطلح “اللوحة الحروفية” بين الفنانين د.محمد غنوم وأكسم طلاع في ندوة “كاتب وموقف” التي أقيمت مؤخراً في المركز الثقافي – أبو رمانة- حول اللوحة الحروفية بإدارة الإعلامي عبد الرحمن الحلبي، حيث أشار غنوم في بداية كلامه إلى مصطلح الحروفية الذي أصبح معروفاً إلى حد كبير، والذي لا يفضّله لأنه لا يعبّر بشكل دقيق عن هذا الاتجاه في الفن التشكيلي، ولا يعطي المدلول الحقيقي لأن اللوحة التشكيلية بكلماتها وحروفها فيها عناصر مهمة أخرى غير الحرف والكلمة..

من هنا رأى غنوم أن المصطلح قاصر عن أداء المضمون والمعنى، وهو لا يؤدي الغرض منه، كما يشير غنوم إلى أنه مصطلح غربي لمنجَز فني عربي، وأوضح أن الأعمال التشكيلية التي يتكون بنيانها من الحرف والكلمة لم تعد مقتصرة على الوطن العربي، لأن كل شعوب الأرض تقدّر وتهتم بحروفها وكلماتها.

إعجاز بصري

ونوه غنوم إلى أنه بدأ يحاور الحرف العربي منذ أكثر من أربعين عاماً، وهو الذي درس في كلية الفنون الجميلة وعَمِل قبل ذلك وأثناء الدراسة بعدة مجالات كان لها دائماً علاقة بالتشكيل والحرف، مبيناً أنه عندما وجد ضالّته في الحرف اكتشف أنه أمام جمال عظيم يتمتع به هذا الحرف من الصعب على أي أحد أن يتجاوزه دون أن يتخذ منه موقف الدارس والمعجب والمندهش، وهذا ما حدث معه، فكان يوماً بعد يوم يكتشف جمالياته ويزيد ارتباطه به، موضحاً أن ابن مقلة هو أول من بدأ بهندسة الحروف وليضع أسساً جمالية وبصرية، وهناك من تابع الطريق بعده وعمل على وضع أُسس هذه النظرة الجمالية في الفن البصري العربي، مؤكداً غنوم أن الحرف يتمتع بإعجاز بصري يوازي الإعجاز البلاغي.. من هنا كان سعيداً عندما خاض معاركه مع الحرف وقد أصبحت ممهورة دائماً بالانتصار، وكان غنوم فارساً يجول ومعه الحرف يضيء الطريق له، لذلك تحول لعاشق له وما زال، وهو الذي قدمه للعالم بشكل جميل وجعله يصول ويجول في العالم، معترفاً أن هناك بحوراً فيه لا حدود لها، وهو إن فعل فقد بدأ السباحة ليس إلا.

وبيّن غنوم أن الخط هو رسم للحروف بشكل جميل، وهو فن بصري بامتياز، والخط العربي إذا صنَّفناه ضمن المدارس الفنية فهو منتهى التجريد، وهو بشهادة نقاد التشكيل في العالم من بين خطوط العالم المتقدمة لأنه وضِع على أسس نظرية، ولكن مع هذا من الخطأ برأي غنوم أن نعتقد أن الخط العربي وصل إلى درجة الكمال وذلك لأنه نتاج إنساني أبدعه فنانون، وهناك من سيستمر في تطويره.

كسر للحدود

أما الفنان أكسم طلاع فقد بيّن أنه ليس ضد مصطلح “اللوحة الحروفية” وهو ليس من المتشددين اتجاه الآخر لأن الفنون موضوع إنساني بحت ووسط مفتوح، لأن لغة الفن هي كسر للحدود، متوقفاً عند الخطاطين الرواد في سورية والعراق، مشيراً إلى أنه عمِل في مجال الخط لمدة 25 عاماً، وكان الخط مهنته، أما الفن التشكيلي فأمر مختلف برأيه، مشيراً إلى أن غنوم علامة في الفن التشكيلي وله تجربة، لكن الأفكار تتغير، وهو تحدث عن الخطاطين المجيدين السوريين الذين يعملون ضمن قواعد الخط، في حين أن موضوع الفن أوسع وأشمل، فهو نزعات شخصية تمثل هذا العالم في قلب ذاك الشخص، فخط ابن مقلة لم يشبه خط الآخرين، وهذا يؤكد أن الفنون مواكبة للعالم المتغير.. من هنا ظهرت اللوحة الحروفية عندما تأسست جماعة البعد الواحد في العراق في نهاية الخمسينيات ضمن مناخ أدبي وسياسي وحركة نهضة كبيرة، حيث كان الفنان يواكب هذا التغيير، فظهرت معالم لوحة تحمل هوية العرب والكلمة، وفي السبعينيات أدخل الفنان محمود حماد هذا الشكل ووظفه وعمل لوحة حروفية ولكن دون محمول أدبي، وهذا برأي طلاع كان أمراً صائباً لأنه يؤمن بأن التشكيل يجب أن يكون بمعزل عن الأدب لأن الفن والأدب أمران مختلفان، ورأى أن اللوحة الحروفية منتَج يقع بين التشكيل والشعر، فالفنان يعيش كشاعر بصوره وخياله أمام مفردة طيعة التشكيل.

أمينة عباس