دراساتصحيفة البعث

الآفاق الاقتصادية لآسيان

عناية ناصر
مع وصول عام 2019 إلى منتصفه، ومع انتهاء قمة الآسيان الرابعة والثلاثين في بانكوك ، تواجه المجموعة الإقليمية مخاطر شديدة على الجبهة التجارية، و تعزيز مرونة الاستجابة الاقتصادية للكتلة لا يتطلب خططاً جديدة فحسب ، بل يتطلب تنفيذها بقوة.
على الرغم من الاضطرابات التي تعصف بالاقتصاد العالمي ، إلا أن الآسيان حققت نتائج جيدة نسبياً حتى الآن. ففي الربع الأول من عام 2019 ، سجلت اندونيسيا وماليزيا وفيتنام نمواً بنسبة 5.1 ٪ و 4.5 ٪ و 6.8 ٪ على التوالي.
ولكن مع تلاشي بعض المخاطر وتزايد حدة المخاطر الأخرى ، يدور السؤال عما إذا كان بوسع الآسيان الاستمرار في إظهار أداء اقتصادي مستقر. في كانون الثاني الماضي برز عاملان من أكبر الرياح المعاكسة لرابطة أمم جنوب شرقي آسيا هما الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة، وهو ما زاد من الشكوك العالمية.
منذ ذلك الحين، أدى تصاعد التوترات التجارية والجيو اقتصادية إلى مناخ استثماري أكثر غموضاً، و نتيجة لذلك، فإن التوترات المتصاعدة قد أوقفت أيضاً أسعار الفائدة لأن البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي يهدفان إلى دعم الأسواق.
يمكن لرفع أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة أن يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال من جنوب شرق آسيا ، حيث ينسحب المستثمرون للبحث عن عائدات أكبر في أماكن أخرى. ومع ذلك ، فإن هذه الاحتمالات لا تزال قليلة في هذه المرحلة، ففي ظل انخفاض مخاطر هروب رؤوس الأموال بسبب انخفاض أسعار الفائدة في أماكن أخرى ، يتمتع صانعو السياسة في الآسيان أيضاً بمجال أكبر لأسعار الفائدة الخاصة بهم، ما يتيح فرصاً أوسع لزيادة الإقراض والنمو، وفي الوقت الذي تراجعت فيه الرياح المعاكسة في بعض الجوانب ، إلا أنها تتكثف في جوانب أخرى، إذ لا نهاية للحرب التجارية في الأفق. لكن التفاؤل الحذر ضروري، فقد استؤنفت المحادثات الأمريكية-الصينية منذ ذلك الحين في اجتماع مجموعة العشرين في أوساكا في حزيران الفائت ، بعد انهيارها قبل شهر واحد فقط. ومع ذلك فإن الاعتبارات والصراعات الجيو استراتيجية التي تدور حول نموذج رأسمالية الدولة في الصين لا تزال تلوح في الأفق. وحتى إذا نجحت المفاوضات ، فإن هذه المخاوف نفسها قد تجعل استدامة الهدنة التجارية موضع الشك.
وقع معظم، إن لم يكن كل، أعضاء الآسيان في شباك هذه الحرب، لكن تحليل التجارة العالمية، الذي يتوقع تأثير الصدمات التجارية على الناتج المحلي الإجمالي ، أن هذه الاقتصادات ستشهد تأثيراً محايداً / أو إيجابياً من التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. ونظراً لتأثير تحويل التجارة الذي تنقل فيه الشركات منشآت التصنيع وأنشطتها من الصين إلى دول أخرى منخفضة التكلفة ، يمكن لفيتنام وكمبوديا على وجه الخصوص الاستفادة من هذه التطورات، لكن يظل هناك محاذير. إن التركيز على تأثير الرسوم الجمركية على التجارة وحدها يغفل التأثيرات المتقلبة لذعر السوق وعدم اليقين على الاستثمار. بالإضافة إلى ذلك ، قد تنتشر التوترات التجارية. ففي حين تبدو الرسوم الجمركية التي تصل قيمتها إلى 25٪ على الواردات الصينية الأخرى بقيمة 300 مليار دولار مهددة ، فإن التجارة بين الصين والولايات المتحدة لا تمثل سوى 3٪ من التجارة العالمية. وحتى الرسوم الجمركية المفروضة على تجارة السيارات ، والتي أخرتها إدارة ترامب حتى الآن ، سوف ترسل صدمات أكبر إلى الاقتصاد العالمي، لأن التجارة في السيارات تشكل 8 ٪ من التجارة العالمية.
كما أن آثار الانفصال الاقتصادي طويل الأجل بين الولايات المتحدة والصين ، حيث تعيد القوى الكبرى موازنة العلاقات بينهما ، تضيف مزيداً من الوضوح إلى الصورة الأكبر. قد يكون لإجراءات قطع الاتصال والاعتماد المتبادل التي ترتكز عليها العولمة عدة تداعيات. على سبيل المثال ، يمكن فصل سلاسل التوريد العالمية ، التي يتم إعادة توجيهها إلى الآن، في المجالات الاقتصادية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي حظر تبادل السلع والخدمات والأفراد والأفكار أيضاً إلى تقويض التجارة والإبداع وكذلك البحث والتطوير. وهذا قد لا يدعو إلى التفاؤل مع انتقال العالم إلى عصر رقمي شديد الترابط. ومع تعثر التجارة مع الأسواق الخارجية ، من الأهمية بمكان بالنسبة للآسيان أن تضغط على الأسواق داخل المنطقة، وصعود الطبقة الوسطى في آسيا، كما يجب أن تعزز مكانتها كسوق موحدة جذابة.
قدمت سنغافورة، بصفتها رئيس رابطة الآسيان لعام 2018 ، رؤية لكتلة بأسس أقوى ، وخاصةً فيما يتعلق بالتجارة. على سبيل المثال، أدى عمل سنغافورة في وضع اللمسات الأخيرة على عدة فصول من “الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية” إلى تسريع المحادثات الخاصة باتفاقية التجارة الحرة الضخمة بقيادة الآسيان والتي تشمل القوى الاقتصادية الناشئة الصين والهند.
وفي الوقت نفسه ، ينبغي أن تسهل اتفاقية التجارة الالكترونية لرابطة الآسيان التي تم توقيعها العام الماضي النمو في الاقتصاد الرقمي لرابطة الآسيان ، والذي ستصل قيمته إلى 240 مليار دولار بحلول عام 2025. كما تم وضع تدابير تيسير التجارة الأخرى ضمن إطار الآسيان في العام الماضي ، بما في ذلك إطلاق نافذة آسيان الموحدة لتخليص جمركي أسرع إقليمياً. البناء على هذه الأسس هو المفتاح، والجدير بالذكر أن تايلاند ، بصفتها رئيس الآسيان هذا العام اختتمت خطة عمل إطار التكامل الرقمي وإطلاق خارطة طريق الابتكار للرابطة ، من بين أشياء أخرى ، كجزء من نتائجها. هذا من شأنه أن يبشر بالتفاؤل بالنسبة للنمو الاقتصادي والمرونة في دول الآسيان، لا سيما إذا كانت تايلاند قادرة على تحقيق هذه الأجندات على الرغم من عدم اليقين الذي يعصف بسياستها الداخلية إذ لم يتم اختيار مجلس الوزراء التايلاندي بعد، وبدون وجود خبرة في قيادة وزارة الخارجية ، قد تواجه بانكوك وقتاً أصعب في تنظيم قمة الآسيان في تشرين الثاني المقبل ودفع جدول أعمال الآسيان قبل نهاية العام.
لذلك ، يظل التنفيذ ، بالنسبة للمبادرات الجديدة أو جداول الأعمال القائمة، أكبر عقبة أمام الرابطة.
لا يزال يتعين القيام بالعمل على تقليل عدد الحواجز غير الجمركية لتسهيل التجارة والاستثمار في الجماعة الاقتصادية لرابطة أمم جنوب شرق آسيا. قد يحدث هذا إذا تمكنت أطراف” الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية” من إنهاء المفاوضات هذا العام. بعض الفصول على وشك الانتهاء ، ولكن هذه النتائج قد يتم حظرها من قبل بعض الأعضاء ما لم يتلقوا تنازلات في جوانب أخرى. علاوة على ذلك ، في حين إن جداول الأعمال هذه تمثل تحدياً بالفعل ، فإنها يمكن أن تصبح أكثر جدلاً وسط الاضطراب الجيو استراتيجي للتجارة والأعمال. يرسل إطار عمل رابطة الآسيان – المحيط الهادئ الذي تم صياغته مؤخراً في قمة الرابطة الرابعة والثلاثين مؤشراً إيجابيا فيما يتعلق بالتزامات الحياد.
حتى لو استمر القوي في فعل ما يشاء ، فإن وضع هذا الإطار موضع التنفيذ وضمان أن العلاقات الثنائية مع القوى الكبرى ستعزز هذا الحياد الضروري لجهود الآسيان المستمرة في تحديد مصيرها. الوقت، ومع ذلك، هو جوهر المسألة. إن تعزيز قدرة رابطة أمم جنوب شرق آسيا على مواجهة المخاطر ، وتعزيز جاذبيتها الاقتصادية ، يجب أن يحدث عاجلاً وليس آجلاً. ولتحقيق هذه الغاية ، يجب ألا تواصل الآسيان وشركائها فقط تصميم الخطط القديمة والجديدة وتصميمها ، بل يجب عليهم إدراك أهميتها بدرجة أكبر أيضاً.