ثقافةصحيفة البعث

إحياء الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الشاعر توفيق زياد

“أنا باق، لآخذكم بأحضاني، بأسناني سأحمي كل شبر من ثرى وطني” صوت توفيق زياد المؤثر شدّ الجمهور في الفعالية الضخمة التي أقامتها مؤسسة القدس الدولية –فرع سورية في دار الأوبرا لمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل شاعر المقاومة الفلسطيني توفيق زياد، والتي عززت العلاقة التواشجية بين سورية وفلسطين، وقد تكامل التوثيق البصري والصوتي مع الغناء المباشر لقصائده بمشاركة فرقة جوى وإدارة الإعلامي ملهم الصالح.

بانوراما فلسطينية
شغل الفيلم التوثيقي الذي عُرض في بداية الفعالية حيزاً من برنامج الفعالية، كما عادت الصور إلى ولادته عام 1929وطفولته ودراسته في موسكو وعودته ومشاركته بمختلف المواقف السياسية لاسيما إضراب يوم الأرض، وتكريم منظمة التحرير الفلسطينية له وتقليده الوسام من قبل الرئيس ياسر عرفات، وتوقف الفيلم عند حديث محمود درويش عنه بأن المشهد الشعري الفلسطيني الشمولي لا يمكن رؤيته إلا من خلال الموقع الذي احتله زياد، وأحاديث الشاعر خالد أبو خالد عن شعره المقاوم.
كما استعرض الفيلم نتاجه الأدبي والشعري مثل مجموعته “أشد على أياديكم، وكلمات مقاتلة، وتهليلة الموت والشهادة”، إضافة إلى ترجماته عن الأدب الروسي ومقالاته السياسية، وتطرق أيضاً إلى شعره المغنى ونتاجه التشكيلي المعبّر بإشكالية عن النضال الفلسطيني، واختُتم بمشهد زيارة محمود درويش لقبره برفقة نائلة زياد.

شاعر المواقف والأفعال
وتحدث د.خلف المفتاح المدير العام لمؤسسة القدس عن الجوانب السياسية والثقافية في شخصية زياد، والاهتمام بإحياء ذكرى رحيله في سورية، فبيّن أن هذه الاحتفالية تظهر مقاومة الشعب الفلسطيني، لاسيما البعد الثقافي الذي يكرّس الهوية الوطنية الفلسطينية التي هي جزء من هوية بلاد الشام، فحين نحتفي بزياد فإننا نحتفي بشاعر ينتمي إلى سورية، ولا نكرم شاعراً خارج إطار ثقافتنا وقوميتنا، ونحن في سورية منذ أيام القائد الخالد حافظ الأسد كرسنا تكريم المثقفين والمبدعين الذين تركوا بصمة في المسار الثقافي الوطني، ويستمر التكريم اليوم بوجود السيد الرئيس بشار الأسد.
ووصف د. المفتاح زياد بالمثقف العضوي الذي ينطلق من الجماهير ويشعر بقضاياهم ولا يعكسها بثقافته وفنّه فقط وإنما في مواقفه السياسية، إذ بقي متمسكاً بتراب وطنه يؤمن بأيديولوجية تزايد الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني، وفي إطار انتمائه الشيوعي تحرر من كل ما هو طائفي ومارس هذا السلوك، وكان من فلسطينيي 1948 المتمسكين بالهوية والقادرين على الفعل، وقد اخترق البنية الثقافية حتى اليهودية واستطاع أن يجيرها بما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني.
وحول دور التشابك والتمازج الثقافي الفني مع الأراضي المحتلة بالقدس والجولان ولواء إسكندرون، تحدث د. المفتاح بأن الخطاب الثقافي والإبداع الفني قادر على أن ينتج حالة ويشكّل وعياً أكبر للتجذر بالهوية وبالأراضي المحتلة، لاسيما في الوقت الحالي الذي تتم فيه عملية سرقة التاريخ ومحاولة سرقة الهوية الفلسطينية، فعبر هذه الأجناس الثقافية المتنوعة من أدب ومسرح وسينما وموسيقا وغناء وتشكيل نحتفظ بالمخيال الجمعي لصورة الثقافة الفلسطينية واستحضارها واستعادتها.

لغة مقاتلة
وعن الدور الذي أداه توفيق زياد في الداخل الفلسطيني أوضح الإعلامي أنور رجا مسؤول الإعلام المركزي في الجبهة الشعبية بأنه باتجاهات شعره توقف من خلال المعنى المباشر للقصيدة اللازمة التي تميل للقصف المدفعي كي ترعب الأعداء بلغة مقاتلة، هذه اللغة المباشرة العميقة بعيداً عن لغة التبسيط هي التي عمل عليها زياد، فبعد ربع قرن على رحيله هو حاضر وبقوة من خلال تلك المعاني التي نشعر أننا اليوم بحاجة إليها، فمازلنا نخوض الحرب وهذه الحرب تقتضي منا الإيقاع المباشر.
وكان صوت توفيق زياد يسبق كل قصيدة غنتها بحبّ فرقة جوى بقيادة المايسترو يوسف إبراهيم التي جمعت بين الآلات الغربية والشرقية والمؤلفة من الدرامز وبعض الإيقاعيات الغربية والرق والكمان والقانون والعود والبزق والأورغ، إذ قدمت سبع قصائد مغناة، منها: “أنا من هذه المدينة، أنا من حواريها الحزينة” التي تميزت بصولو الكمان وغناء مقطع إفرادي”أنا من السوق القديم”، فلتسمع كل الدنيا وتصاعد اللحن القوي ودور الإيقاعيات، ازرعوني زنبقا أحمر، وتفاعل جمهور الأوبرا مع الأغنية الخالدة بالذاكرة والتي اختُتمت بها الفعالية”أناديكم وأشد على أياديكم” وتخللت مشاركة جوى تفريدة آهات مع مرافقة نغمات البزق.

من فلسطين إلى سورية
“تحية من الناصرة في فلسطين إلى سورية” كانت الرسالة التي تختزل النضال المشترك بين سورية وفلسطين، برسالة مصورة من السيدة نائلة زياد رفيقة درب النضال والحياة شكرت فيها سورية ومؤسسة القدس على التكريم، وتحدثت عن عمل مؤسسة توفيق زياد للثقافة الوطنية والإبداع في الداخل الفلسطيني في الناصرة على الاستمرار بجمع كل الوثائق والأعمال والأبحاث والدراسات لتوفيق زياد وإنشاء موقع جديد لأعماله، إضافة إلى العمل على جمع كل مايتعلق بالأدباء الفلسطينيين وبالفلكلور الفلسطيني.

ملده شويكاني