دراساتصحيفة البعث

الصين في معادلة إيران- أمريكا

علاء العطار
ليس جديداً ذكر الدور الإقليمي المهمّ الذي تلعبه إيران في المنطقة، لكن ما يجدر ذكره هو طبيعة العلاقة بين الصين وروسيا وإيران التي تشي بأن هناك محوراً جديداً يتشكّل إلى جانب المحور السابق الداعم لمحور المقاومة في الشرق الأوسط، وهذا ما دفع أمريكا للضغط على إيران لدعمها محور المقاومة، بيد أن الصورة لا تكتمل بذكر هذه المسألة بمعزل عن غيرها، إذ أن هناك عوامل أعمق تدفع الولايات المتحدة إلى محاصرة إيران، ويسير بنا التمحيص نحو الأهداف الإستراتيجية التي تتعلّق بمكانة الولايات المتحدة التي باتت تنازع للحفاظ عليها خوفاً من أن تنتزعه الصين أو روسيا بعد أن قاسمتاها عليه، لذا ترتب عليها أن تحتوي التمدّد الصيني، خاصة من ناحية إيران التي تُعدّ إحدى القوى المناوئة للهيمنة الأمريكية.
أدركت الإدارة الأمريكية السابقة الخطر الذي تشكّله الصين إذا ما زرعت لنفسها نفوذاً في الشرق الأوسط، فهي تعمل منذ مدة على تطوير علاقاتها مع دول المنطقة، ومن بينها إيران ذات الموقع الاستراتيجي المركزي، لذا توجب “احتواؤها” على حدّ تعبير أوباما، ونتج عن ذلك الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 في مناورة تهدف لتقييد النفوذ الصيني الصاعد.
وعند اعتلاء ترامب لكرسي السلطة بدأ حرباً تجارية مع الصين وصعّد التوتر بين البلدين، ولم يتوقف عند ذلك، بل ألغى الاتفاق النووي في أيار من العام الماضي، وحاصر إيران وأغرقها بالعقوبات الاقتصادية لتذعن وترضخ لإملاءات الولايات المتحدة فيزيد بذلك من تقييده للنفوذ الصيني في العالم، لكن الرياح لم تأتِ كما اشتهت سفنه، إذ كان موقف إيران صارماً وثابتاً، وما كان منها إلا التوجّه شرقاً لتقليص آثار العقوبات المفروضة عليها، ما فتح ثغرةً أخرى أمام الصين لتتابع مشروعها في الشرق الأوسط، فعاد سلوكه الأرعن بنتائج عكسية.
وبعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق، كانت الصين الوجهة الأولى لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، ليلتمس الدعم منها، إذ إنها إحدى الدول الموقعة على الاتفاق النووي، ما فتح باباً لنشوء تحالف حقيقي وطويل الأمد، وتدعمه حقيقة أن الصين تعدّ الشريك التجاري الأول لإيران، حيث تغطي التجارة الصينية- الإيرانية مجالاً واسعاً يقع النفط في قاعدته، إذ تستورد الصين 10 بالمئة من نفطها من إيران.
وشرع ترامب في تشديد العقوبات على إيران وعلى أي منظمة أو دولة تخالفها في محاولة أخرى لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات، فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في 22 تموز عام 2019، أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على شركة الطاقة الحكومية الصينية “تشوهاي تشين رونغ” بزعم انتهاكها للقيود المفروضة على قطاع النفط الإيراني، وقال إنها “شاركت عمداً في صفقة كبيرة لشراء النفط الخام من إيران”.
العلاقة مع إيران تناسب الصين من عدة جوانب، فهي دولة منتجة للطاقة مستقلة عن الولايات المتحدة في منطقة تخضع للولايات المتحدة، وساعدت العلاقة في إحباط الجهود الأمريكية التي تبذلها للضغط على الصين، وحتى إذا نجحت الولايات المتحدة في قطع إمدادات النفط الإيراني عن الصين، ستستمر هذه العلاقة في خدمة المصالح الإستراتيجية الصينية، وستعمل على تعزيز مكانة الصين في الشرق الأوسط والعالم.
قدّم الرئيس الصيني، شي جين بينغ، مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، وهي خطة تهدف لزرع نفوذ سياسي واقتصادي للصين في العالم، وتتمحور حول تنشيط الحزام الاقتصادي القديم المتمثل بطريق الحرير، وحول بناء طريق تجاري بحري، والهدف المعلن لهذه المبادرة هو تعزيز الازدهار الاقتصادي للبلدان الواقعة على طول الحزام والطريق، وتعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي، وتعزيز التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات المختلفة، وتعزيز السلام والتنمية في العالم. وتحتل مصر أيضاً جزءاً من الخطة الإستراتيجية الصينية، إذ يتحتّم على الصين مع ازدهار أنشطتها التجارية في الشرق الأوسط تركيز اهتمامها بالمرور عبر قناة السويس، لذلك استثمرت مليارات الدولارات في مصر، حيث تساعد الشركات الصينية في بناء عاصمة إدارية جديدة لمصر في الصحراء خارج القاهرة، وتقوم بتطوير ميناء صناعي على البحر الأحمر في مدينة العين.
ويفكر الصينيون الآن في إنشاء قاعدة بحرية بالقرب من الحدود الإيرانية، فقد أمسى خليج عمان مِفصلاً بين الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وشرق آسيا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، والطرق التي شيّدتها الصين في آسيا الوسطى تصل الصين بإيران، ما جعل إيران مركزاً لالتقاء تلك الطرق وأعطاها أهمية جغرافية وديمغرافية، ولذلك لن تستطيع الولايات المتحدة تغيير تلك النظرة الصينية لإيران، فهي بعيدة جداً عن أوراسيا ولن تفلح في منافسة الصين التي تمتلك أفضلية القرب الجغرافي.
تقبع إيران في القرن الحالي في مركز جيوسياسي تتطلع إليه العديد من الدول الكبرى، فهي تتموضع على العديد من الطرق التجارية في آسيا الوسطى، وعلى نقطة تقاطع طرق التجارة بمنتجات الطاقة، لذا تشكل مفتاحاً لنجاح المشروع الصيني، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة، لكن استمرار تلك الأخيرة بالتلويح بعصا الحرب في وجه إيران لن يؤدي إلا إلى دفعها نحو أحضان الصين وزيادة التعاون بين البلدين للوقوف في وجه العنجهية الأمريكية.