زواياصحيفة البعثمحليات

حرائقُ غاباتنا.. إلى متى؟!

أن تعود أرجوحة النّار وألسنة اللّهب،  لتتنقّل على امتداد السّلسلة الجبليّة الغربية لمنطقة مصياف، ملتهمةً مئات الدّونمات الحراجيّة في ظلّ عجز رسميّ تشي به الجهود المُضنية والإمكانات المتواضعة لرجال الإطفاء الذين تُرفع لهم القبعة؛ على تفانيهم وبسالتهم؛ في محاولة إخماد هذه الحرائق التي استنزفتهم ولعدّة أيام، في كلّ من: ( نبع الطيب بالغاب، وحيالين ودير ماما واللّقبة والحريف والقريات..)لَأَمْرٌ يشي بخللٍ كبير قوامُه: بدائيّة المعالجة وارتجاليتها وافتقارها إلى مقوّمات التّنظيم والمأسسة. بقدر ما يكشف عن تقصير منقطع النّظير من قبل مسؤولي حراجنا في وزارة الزراعة؛ ألفُ باء تجلياته: عدم الإفادة من دروس حرائق الأعوام السابقة التي أتت نيرانها على مساحات شاسعة من أخضر غاباتنا. وعدم وجود “خطّة وطنيّة” أو “إدارة تشاركيّة متكاملة” لحرائق الغابات، والتي لطالما كانت عنواناً برّاقاً لعشرات المؤتمرات والنّدوات وورشات العمل التي لم تتجاوز كونها منصّات تنظير لا ارتسامات أو إسقاطات لها على أرض الواقع.

خللٌ تكشفه معاناة رجال الإطفاء الذين يصطلون نار الحرائق بصدور عارية من بزّات واقية لم توفّرها الوزارة؛ ما يجعل حياتهم على أكفّهم، وكذا الشحّ الشديد في الصّهاريج والآليات والتجهيزات، والتلكّؤ في اعتماد نظام الإطفاء بالبودرة بدلاً من المياه، ناهيك بعدم توافر المسطّحات المائية الكافية ضمن الغابات للاعتماد عليها في عمليات الإطفاء.

وإذْ يغدو من الملحاحيّة الوطنيّة بمكان أن ترمّم وزارة الزراعة أداءها الحراجي وعلى وجه السّرعة؛ من خلال الاستئناس بما تعتمده الدول من تقنيات متقدمة في الإنذار المبكر عبر فرق الإطفاء الجوّالة المجهّزة والمدرّبة، وفتح المزيد من خطوط النار الواسعة والعريضة قبل كل موسم للحرائق مزوّدة بشبكات آبار ومناهل للمياه، إضافة إلى تدريب قادة ميدانيين للحرائق؛ لا تتدخل أية جهة في عمل قائد الحريق أثناء قيامه بعمله، مع تأمين كل مستلزمات الدعم له، وكذا التدريب على تقنيات التدخل السريع في مكافحة الحرائق، وإنشاء مراصد وأبراج مراقبة للغابات، إضافة إلى تشييد غرف عمليات للدفاع المدني في قلب الغابات، ومشاركة بلديات القرى المتاخمة للغابات في عمليات التدخّل السريع، وتمكينها من تقديم الدعم اللوجستي لرجال الإطفاء.

فإنّه على السّلطات المحليّة تحمّل مسؤوليتها في التّصدّي الحازم والصّارم لظاهرة تحطيب الغابات أو تفحيمها، والتي باتت -بكلّ أسف- مهنة يمارسها الكثير من ضعاف النفوس ضمن شبكات، فضلاً عن ملاحقة المستفيدين من تحويلها إلى أراضٍ جرداء، أو استثمارها لزراعات خاصة بهم، أو إقامة فيلات ومحاضر بناء عليها من قبل متنفّذين، وعدم التّلكؤ في إزالة جميع هذه المخالفات منها، ومصادرة هذه الأبنية استناداً إلى المادة 45 من القانون رقم 6 لعام 2018 التي نصّت على أنّه: في حال غصب جزء أو مساحة من أراضي حراج الدّولة، أو وضع اليد عليها بغير حقّ، ومع عدم الإخلال بالملاحقة الجزائيّة؛ تُنزع يد المخالف بقرار من الوزير تنفّذه الضابطة الحراجية فوراً، وعلى السلطات الإدارية تقديم المؤازرة اللازمة عند الطلب.

وللوزارة بعد صدور قرار نزع اليد؛ أن تقلع الغراس والأشجار وتزيل الأبنية وتعيد تحريج الأرض على نفقة الغاصب أو واضع اليد، أو مصادرة الأبنية لصالح الخزينة العامة للدّولة، ولا يحق للغارس أو الباني المطالبة بأي تعويض، وتحدّد النفقة بقرار من الوزير، وتحصل وفق قانون جباية الأموال العامة.

والحال أنّه لا مناصّ من تزخيم جهود المجتمع المحلّي بمفاصله كافة؛ في مكافحة استشراء ظاهرة افتعال حرائق الغابات تمهيداً لعمليات اكتساحها بالبيتون المخالف أو الزّراعات الخاصّة، من قبل جناة خارجين عن القانون، أو من قبل مافيات حوّلت غاباتنا ومناطقنا الحراجية إلى مناجم خاصة تدرّ ذهباً عليها!؟ بينما نتجرّع بألم ومرارة حنظل كارثيتها وفجائعيّتها..!

أيمن علي

Aymanali66@hotmail.com