أخبارصحيفة البعث

الضغط يأتي بنتائج عكسية!

لم تخرج روسيا الاتحادية والصين الشعبية يوماً من الحسابات الأمريكية كعدوّين استراتيجيين لا يمكن لأي إدارة مهما كانت، جمهورية أم ديمقراطية، أن تسقطهما من مخططاتها وسياساتها، واليوم شدّدت العقيدة العسكرية الجديدة التي تمّ اعتمادها في ظل إدارة ترامب الجمهورية على خطر هاتين الدولتين، ودعت مؤسسات الأمن القومي والبنتاغون والبيت الأبيض إلى العمل على محاصرتهما، ومنعهما من لعب أي دور على الصعيد العالمي، ولكن في ظل المتغيّرات الحاصلة على الساحة الدولية هل يمكن لواشنطن أن تمنع موسكو وبكين من ممارسة دورهما على الساحة الدولية؟.. ما هو واضح حتى اليوم أن أمريكا تضغط، وروسيا والصين تتمدّدان أكثر فأكثر.

في عام 2014 وفي الوقت الذي كانت فيه روسيا تحتفي برياضيي العالم عبر استضافتها أولمبياد سوتشي الشتوي، فاجأتها إدارة أوباما الديمقراطية بزعزعة الأوضاع في الجارة أوكرانيا، والإطاحة بالرئيس القريب من موسكو فيكتور يانوكوفيتش بالاعتماد على ما يسمى منظمات المجتمع المدني المدعومة من البنتاغون، ولكن النتيجة كانت عكسية، فروسيا استعادت جزيرة القرم بعد تنظيم استفتاء، وتحرّكت لاحقاً بشكل فاعل في الكثير من القضايا الدولية.. بمعنى آخر استفادت روسيا من الضغط الأمريكي لمحاصرتها لتفرض نفسها لاعباً دولياً مهماً لا يمكن تجاوزه في أي قضية، وما يجري في فنزويلا وكوريا الديمقراطية مثال واضح.

واليوم يبدو التركيز منصبّاً بشكل كبير على منع بكين من لعب أي دور على المستوى العالمي، عبر سلسلة من الإجراءات والعقوبات التي تستهدف مراكز قوة التنين الصيني، من فرض حزم العقوبات على منتجاتها، ومحاولة منع عملاق التكنولوجيا العالمية هواوي من الاستفادة من تفوّقه في مشاريع الـ”G5″ الكبرى، مروراً بمحاولة فرض ضمّ الصين إلى معاهدة جديدة للحدّ من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، وليس آخرها حرمانها من النفط الإيراني والخليج على حدّ سواء بافتعال مشكلات في مضيق هرمز، والدعوة إلى القبول بالعرض الترامبي بالدفع مقابل تأمين وصول المشتقات النفطية، علماً أن الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، إذ تستورد 11 مليون برميل يومياً، ولكن هل أعلنت بكين الاستسلام أمام هذا الحصار؟.

ما هو واضح أن القادة الصينيين حوّلوا الضغوط الأمريكية إلى فرصة لفرض أنفسهم على الأجندة الدولية كلاعب لا يمكن تجاوزه أو إسقاطه من الحسابات، فأعلنت الصين صراحة أنها تريد إنهاء الاعتماد على الزراعة الأمريكية، وطلبت من موسكو أن تقوم بتأمين البديل، كما رفضت صراحة الدخول في معاهدة صواريخ جديدة، فالأمر حسب السفير الجديد لبكين في الأمم المتحدة لا يعنيها، والأهم أنها رفضت فكرة القوة الدولية لحماية الملاحة في الخليج، معلنة أنها ستقوم بإرسال أسطولها البحري لحماية ناقلاتها النفطية، ما يعني حسب متابعين إعلان الصين رسمياً أنها سترسل قواتها العسكرية إلى خارج حدودها لممارسة دورها على الصعيد العالمي، وهذا بحدّ ذاته تطوّر له دلالاته على المستوى العالمي.

إذاً، محاولات واشنطن تكبيل موسكو وبكين تبوء بالفشل، والوقائع   تثبت ذلك، فالموقفان الروسي والصيني تقدّما خطوات كبرى، وأسّسا نواة لعدد من التكتلات الدولية الاقتصادية والأمنية (منظمة شنغهاي– البريكس)، طبعاً بالتعاون مع قوى إقليمية ودولية فاعلة أيضاً قادرة على رسم معالم جديدة للعالم بعيدة عن الأحادية المطلقة، وعليه فإن أسلوب التهديد والوعيد الأمريكي سيسرّع من ولادة نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب.

سنان حسن