تحقيقاتصحيفة البعث

ينتظرون فرحته الأطفال والعيد.. انتصار لبراءة الطفولة على قسوة الظروف

هي أيام يشتاق إليها السوريون كلما حضرت لتجدّد فيهم ذلك العشق الدائم للحياة والسعادة والفرح المستمر، فيكون العيد بوابة ومتنفساً لهم، وتلك النافذة للأمل التي يخرجون عبرها من واقع مليء بالمعاناة وضغوط الحياة اليومية وهمومها التي راكمتها الظروف الاقتصادية وواقع الحرب المؤلمة، فتسع سنوات مضت، وعيد بعد آخر يتعاقب على السوريين وأطفالهم، وأياً كان ما حدث أو يحدث، وما استجد أو يستجد فالعيد بالنسبة لهم عيد وموعد للفرح والابتسام وعنوان يجب أن تُكتب في أيامه السعادة، حتى وإن كانت بأشياء بسيطة كالأجواء التي ترافق تلك الأيام مثل الزيارات والتواصل مع الأقارب، وملابس العيد، والعيديات المتواضعة التي لا تكاد تزور جيوب الأطفال حتى تغادرها عند بائع الحلوى أو محل الألعاب.

بأشياء بسيطة تدخل البهجة والسرور إلى قلوبهم وتصنع معنى السعادة يفرح السوريون بالعيد ويحتفلون بأيامه بعيداً عن المشكلات والهموم، والأزمات والحروب التي تحيط بواقعهم المؤلم، ويرسم أطفالهم البهجة في أيامه، كيف لا وهم عنوان للأمل والسعادة والمرح في كل يوم، وفي كل عيد، كيف لا وهم الرسالة الصارخة التي تضع العالم بأسره أمام مسؤولياته لحماية تلك الضحكات وصونها واحتضانها، وتشير بإصبع الاتهام باتجاه كلّ باغٍ ومعتد عليها.

نكهة خاصة

ويبقى في ملابس العيد تلك النكهة الخاصة التي يعرفها الأطفال حين ينتظرون قدوم ذلك اليوم بلهفة، فيبدأ صباحهم بمباركة للأهل وطلب للرضا ومعايدات لطيفة يتمنّون فيها الخير ويطلبونه من الله لعائلتهم ثم ينطلقون إلى حيث وضعوا ملابسهم الجديدة وثياب العيد التي تمنح المناسبة تلك النكهة الخاصة، رغم ما يؤكده آباء كثيرون أن عيد الأضحى هذا العام سيمرّ على أطفالهم دون ملابس جديدة نتيجة واقع اقتصادي صعب تعاني منه معظم الأسر السورية، وقدوم موسم المدارس والمونة بالتزامن مع هذه الأيام. يقول أبو عماد أب لأربعة أطفال إنه عود أطفاله تدريجياً أن تمرّ الأعياد وتنقضي دون ملابس جديدة، فالملابس ليس بالضرورة أن تحضر في كل عيد، المهم العيدية وزيارة الأهل والأقارب وأن يحفظ الله عائلته من كل مكروه، ورغم عدم اقتناع الرجل تماماً بما عود أطفال عليه حين استذكر أياماً مضت من طفولته كان يفرح فيها بملابس العيد الجديدة، وأياماً سبقت الأزمة كان يفرح فيها أطفاله أيضاً بثياب العيد الجديدة، يكمل أبو عماد: حاولت هذا العيد قدر المستطاع أن أشتري ثياباً جديدة لأطفالي، لكن ليس جميعهم، بمعنى أن أقوم بهذا الأمر على دفعات، فمثلاً أشتري لولدين منهم هذا العيد وفي العيد الآخر تكون الثياب الجديدة من نصيب الولدين الذين حُرما هذا العيد من الملابس، وفي النتيجة السعادة الحقيقية تكون حين يحفظ الله أطفالنا وتستعيد بلادنا عافيتها.

 

تأثيرات واضحة

وتبدو الحرب التي طال أمدها لن تنتهي دون أن تترك تلك البصمات المؤلمة على واقع جديد، بدأ يظهر حتى في فرحة الأطفال بالعيد وأنماط الألعاب التي باتوا يلعبونها ودخلت ضمن طقوس العيد لديهم، وتفاجأ حين ترى مجموعة أطفال يدخلون دكان إحدى الحارات الشعبية فلا تغريهم كل الحلويات والأكلات الطيبة الموزعة لجذبهم بقدر ما تجذبهم ألعاب القتال. وترى مجموعة أطفال يتأملون بلهفة المحتويات والألعاب البسيطة المعروضة التي وزّعها صاحب الدكان على بسطة صغيرة تناسب مستوى نظر الأطفال القادمين إليه. ودون تردّد يتناول أحدهم مسدساً بلاستيكياً يضع ثمنه في يد البائع ويمضي. رامي البالغ من العمر 9 سنوات لم تكن حاله مختلفة عن باقي أصدقائه، جميعهم ابتاعوا مسدسات ورشاشات بلاستيكية بعضها من الخرز، وأخرى من الكبسول يريدون فيها أن يلعبوا لعبة الجيش والإرهابيين، تلك اللعبة الجديدة التي ازدادت شعبيتها منذ بداية الحرب وحتى يومنا هذا. يشرح الطفل الذي لم تعد تعنيه كل السيارات البلاستيكية والألعاب الأخرى عن اللعبة الجديدة، كيف أن إطلاق الخرز على أصدقائه يكون بغرض اللهو والمرح فقط دون أي نيّة للإيذاء، ويتمّ الاتفاق المسبق أن يكون توجيه فوهات مسدسات الخرز نحو الأرجل فقط تجنباً لأي ضرر.

حرب إلكترونية

مجموعة أطفال آخرين، منهم وائل وباسل وهادية وغالية، يعتزمون أن يلعبوا اللعبة نفسها لكن إلكترونياً هذه المرة وبقواعد قد تبدو مختلفة شكلاً لكنها متفقة مضموناً، فالعيدية التي حصل عليها هؤلاء الأولاد يعتزمون إنفاقها في دكان “الكونتر” لعبة الحرب الشهيرة بين صفوف الفتية والأطفال التي تُلعب على أجهزة كمبيوتر تمّ ربطها شبكياً. يقول باسل البالغ من العمر 15 عاماً: أشعر وأنا ألعب هذه اللعبة أنني أقاتل فعلاً على الأرض وأشعر أني في جو الحرب والمعركة فعلاً.

وتبدو هذه الألعاب التي أصبحت جزءاً أساسياً في كل عيد يمرّ على أطفالنا في سنوات الحرب التي نعانيها مع الإرهاب، وكأنها ترسم ملامح واقع مؤلم يدخل ألعاب الحرب لتصبح جزءاً من العيد في كل عام.

البهجة مستمرة

ورغم كل هذه المظاهر المؤلمة التي يمكن أن نشاهدها ونلمحها في أعياد أطفالنا التي تمرّ عليهم عاماً بعد عام في ظل حرب الإرهاب المستمرة، لكن البهجة التي يرسمها الأطفال لا تزال ترسم ملامح العيد ومضامينه، ولا زال هناك متسع للحظات البهجة والفرح التي يمكن أن تراها على وجه طفل ينفق عيديته على قطعة من الحلوى، ويطعمها لفمه وثيابه على حدّ سواء، لا زال هناك متسع برغم كل الظروف لمشهد ترى فيه طفلاً تتزايد دقات قلبه كلما ارتفعت في الهواء مرجوحة تحضن جسده الصغير وأحلامه البريئة، ما زال هناك من يمنحك منهم العزيمة والإصرار على التحدي والمتابعة حين ترى طفلاً صغيراً يراعي ظروف والديه ويتنازل عن أمور مبهجة كثيرة في العيد أولها ثيابه الجديدة تقديراً لوضع أهله وظروفهم المعيشية.

البعث