ثقافةصحيفة البعث

في ملتقى فارس زرزور للرواية.. الكتابة عن الحرب حمّالة أوجه

كانت خطوة ضرورية ومهمة أن تقيم مديرية ثقافة دمشق مؤخراً في مركز ثقافي كفر سوسة ولأول مرة ملتقى باسم فارس زرزور للإبداع الروائي ليكون تقليداً سنوياً يتم من خلاله تسليط الضوء على فن الرواية، وقد أكد مدير ثقافة دمشق وسيم مبيض أن الملتقى رمز بسيط وتقدير لأديب كبير حمل البندقية بيد والقلم بيد أخرى،فقدم للمكتبة العربية روائع في مجال القصة والرواية.

المؤسس الفعلي
تأتي أهمية تسمية الملتقى باسم فارس زرزور كونه لم ينل ما يستحقه من الاهتمام وعاش مظلوماً من النقاد، فلم يأخذ حقه في حياته كما عانى الفقر والألم، وآثر العزلة في حياته، فنسته الصحافة على الرغم من أنه أحد أعلام الأدب الروائي السوري المعاصر، وقد اتفق جميع المشاركين: مالك صقور، د.عاطف البطرس، د. ماجدة حمود، الأديب فيصل خرتش في اليوم الأول للملتقى على أن زرزور كان خير من كتب عن الهم الاجتماعي وتصدى للتقاليد البائسة، وخير من وقف بجانب العمال والفلاحين، ولم يتخلَّ عن صدقه ولا عن واقعيته، فكشف مكامن الفساد والسلبيات والاستغلال، كما يُعد المؤسس الفعلي فنياً للرواية التاريخية في سورية حين قام بحلّ المعادلة الصعبة بين البطلين الروائي والتاريخي، فحافظ على المحطات البارزة في حياة بطله، تاركاً لنفسه حرية التخييل بمكونات مقومات شخصيته، في حين بيَّن رئيس اتحاد الكتّاب العرب مالك صقور في تصريحه لـ”البعث” أن زرزور أحد أهم الأدباء العرب في القرن العشرين ولم يأخذ حقه في حياته، وعلينا إعطاؤه بعض الحق، ولا سيما أنه أبرز الأبطال الحقيقيين الذين ثاروا ضد الاستعمار الفرنسي وسواه.

رواية الحرب
في اليوم الثاني للملتقى وتحت عنوان “رواية الحرب” تحدثت الكاتبة أنيسة عبود عن تجربتها في الكتابة عن الحرب، مبينة أنها وهي التي كتبت رواية عن وجع العراق في الحرب “قبل الأبد برصاصة” لم تتوقع أن يمتد الجرح لبلدها وأن تكون هذه الرواية مقدمة لكتابات ستطول عن الحرب على سورية، مبينة أنها كتبت الكثير عن الحرب في سورية وقد تغيرت لغتها فيها، فلم تعد هامسة، بل اكتظت بمفردات القتل والدمار، ومزقت ما كتبته لأنها لم تكن تعادل نقطة دم واحدة تسيل من السوريين، مشيرة إلى أنها كتبت وكتبت، وبعض كتاباتها كانت خارجة عن التصنيف هي أسرار وحكايات نسجت على أفول الحرب حيث تركت الواقع يصول ويجول في الوجع فتلونت مفرداتها بمفردات الحرب الجارحة واللاذعة، وسال الدم من أطرافها، وكانت دوماً تتساءل كيف تخلقت كل هذه المفردات في كتاباتها وهي التي اعتادت أن تكتب عن النعنع البري والعشق واستمرت تكتب وتمزق وهي تتأمل الواقع المأساوي الذي فاق قدرتها على صوغ الحكاية، وكان لا بد من وقفة مع الزمن والتاريخ تحرياً عن الحقيقة، حيث المطلوب برأيها الحذر في تناول الشخصيات والبيئة، ولكن مع الزمن تضيع التفاصيل والدهشة والألم وتخمد الأفكار، لهذا قررت أن لا تبقى صامتة لأن بعض الصمت خيانة لدماء أريقت وكان لا بد من أن تقول شيئاً في أذن الزمن عله يتذكر كيف أُحرق سكان عدرا العمالية وكيف عطشت دمشق وكيف اختطفت واغتصبت النساء، فكانت روايتها “انعطافات”– لم تطبع بعد- مشيرة عبود إلى أن الكتابة عن الحرب هدفها البحث عن الحقيقة وهي تحتاج إلى حنكة ودراية ليكون الكاتب قادراً على شد المتلقي وأخذه إلى حيث يريد، وهي سهلة المنال لكثرة الأحداث والواقع الذي يفوق الخيال، ولأن الواقع أكثر دهشة كانت تخشى الوقوع في التكرار والدهشة، وتعترف أن الكتابة عن الحرب حمّالة أوجه لأنها فاقدة للشرعية عند البعض، وبالتالي فإن الكتابة عن الحرب كاللعب مع نمر خطير وهي رواية إشكالية لأنها تخضع لمشرط المصداقية والمبالغات والانحياز،ولا تخفي أن الكاتب ليس بإمكانه أن يكون حيادياًإلا بعد زمن ومسافة.

حاء الحب راء الحرب
وتقاطعُ الأدب مع الحرب أمر طبيعي بالنسبة للكاتب علي محمود الذي أكد أن الأدب الذي نقل المشاعر البشرية في الحب والكراهية والحياة دوّن بالكثير من الاهتمام ما هو خارج المألوف واليومي والذي ندعوه حرباً، وأن أدب الحرب حالة ثرية وموضعاً مدهشاً لاستكشاف مجاهيل الخوف البشري، لذلك يعود أثر الحرب على الأدب إلى ما قبل الميلاد، مبيناً أن كل الحروب كان لها دور في الناتج الأدبي العالمي، موضحاً أن أدب الحرب، وخصوصاً في الرواية والشعر عاش على وجه التحديد فتوته الكاملة خلال النصف الأول من القرن العشرين متأثراً بالحربين العالميتين والحرب الأهلية الإسبانية، وقد عدّ المؤرخون الحرب العالمية الأولى أكثر حروب الأرض تأججاً بالأدب، وأن الأعمال التي صدرت حديثاً لا تسمو إلى تلك السوية من النص الكلاسيكي الذي عرفه ذلك الصنف من الأدب واقتصرت على خرمشات سيكولوجية أحادية قصرت عن تصوير وتشريح عمق الحدث المفترض، حتى أن بعضها صار نصاً حكائياً، مشيراً إلى أنه في الحروب الأهلية في منطقتنا العربية صاغ الشعراء والرواة أهم كتبهم، وتتربع الحرب الأهلية اللبنانية على رأس القائمة، فذكر واسيني الأعرج في “مملكة الفراشة” وما أسماه بعشرية الحرب الصامتة التي تصور الصراع بين الإرهابيين والجيش، مع تأكيده على أنه برز أدب رفيع المستوى لدى جيل شبابي صاعد يكتب عن الحرب والهجرة واللجوء ويغوص في مجاهل التحولات السيسيولوجية والسيكولوجية التي تمر بها شعوبنا كرواية “فرانكشتاين في بغداد” لأحمد السعداوي وروايات عديدة للروائي علي بدر مثل “الكافرة” و”بابا سارتر” مبيناً محمود أنه في الحرب نشأ ناتج لم يتوخَّ الموضوعية وكان سببه قراءة هشة غير مدركة للواقع الأليم وللبعد السياسي للحرب، داعيا إلى قراءة الناتج المحلي بعيداً عن موال ومعارض، مشيراً في مدونة الراوي السوري أثناء الحرب إلى رواية “مفقود” لحيدر حيدر التي تحكي عن قصة الجندي المفقود يحيى ورواية “طابقان في عدرا العمالية” لصفوان إبراهيم وكتاب “دمشق حاء الحب راء الحرب” لهزوان الوز ورواية “هوة في باب عتيق” لعلي محمود التي تكشف عما يحدث في العمق وما يطفو على السطح.
وختم محمود مشاركته بالتأكيد على أنه وبالرغم من أهمية هذا الأدب ومؤشرات صعوده في الأعوام الأخيرة، وبروز نخبة من الروائيين الشباب المتميزين وقدرتهم على الغوص في العمق لما يحدث من تحولات كبيرة في المجتمعات العربية، إلا أن جلّ ما نقرأه إن لم يكن جميعه يتسم بنبرة ضبابية ونزعة سوداوية وقسوة في توصيف ما يحدث، لذلك لا يطلب محمود تسخيفاً ولا تسطيحاً للواقع ولا تقديم تحليل مغاير لما هو قائم حالياً ويبعث على التشاؤم، ولكنه يطلب أدباً روائياً يرشدنا إلى المناخات والخيارات البديلة والطرق الأخرى التي تشكل مساراً بديلا يستفيد مما حدث من الحروب، فأدب الحرب هو أدب تحقيق الحياة وأن أساس تدوين ما قد يُعرف بأدب الحرب يعود برأيه إلى ثلاثة أصول، أولها المشهد، وثانيها التحليل ليعقبه الوعي أو إرادة الوعي الحميد على وجه الدقة.
أما الأديب محمد أبو معتوق فقد اكتفى بقراءة فصل من فصول رواية له تتحدث عن الحرب في مدينة حلب من خلال شخصية غسان وعلاقته مع أمه بوصفه ضحية من ضحايا الحرب وكذلك فعل د.حسن حميد عندما قرأ قصة” رجائي”. وخصص اليوم الثالث في الملتقى للحديث عن الاتجاهات الفنية في الرواية السورية الجديدة بمشاركة: د. غسان غنيم، د. صلاح صالح، أ. نذير جعفر.
فارس زرزور
بدأ فارس زرزور خطواته الأولى في مجال الكتابة القصصية منذ النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، ونشر مجموعات، منها “حتى القطرة الأخيرة-اثنان وأربعون راكباً ونصف-لاهو كما هو ولاشيء في مكانه-أبانا الذي في الأرض” وفي الجبهة حيث كان يخدم زرزور كتب قصة “شجرة البطم” التي فازت بالجائزة الثانية لمجلة “الجندي” وفي العام 1962 نشر بحثاً تاريخياً بعنوان “معارك الحرية في سورية” رصد فيه تاريخ نضال الشعب السوري من أجل حريته واستقلاله، ولم يبق اهتمامه بهذا الجانب من التاريخ محصوراً بالبحث والتقصي، بل امتد إلى الكتابة الروائية متجسداً في ثلاثيته التاريخية “حسن جبل-لن تسقط المدينة-كل ما يحترق يلتهب” حيث لخصت هذه الثلاثية جوانب مختلفة من أشكال وصور النضال ضد المستعمر الفرنسي.
أمينة عباس