دراساتصحيفة البعث

على أوروبا الحذر

ترجمة: عناية ناصر

عن موقع غلوبال تايمز 15/8/2019

أثارت المشادات الكلامية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، الانتباه إلى العلاقات عبر الأطلسي، لكن من غير المرجح أن تتفاقم الخلافات الدبلوماسية لتصل إلى حال أسوأ.

بعد استئناف النزاعات التجارية في نيسان الماضي، واجهت العلاقات الأوروبية الأمريكية مرة أخرى تحديات جديدة مع اقتراح البيت الأبيض فرض رسوم إضافية على سلع الاتحاد الأوروبي، إذ أشار استطلاع للرأي نشرته محطة “ARD” الألمانية العامة في عام 2017 إلى أن من استُطلعت آراؤهم قد وثقوا بروسيا (28 في المائة) أكثر من الولايات المتحدة (25 في المائة)، كما أظهر مسح مركز “بيو” للأبحاث الذي أُجري في آذار 2019 أن 41 بالمائة فقط من الألمان يرغبون بمزيد من التعاون مع الولايات المتحدة، بينما 69 بالمائة يرغبون بالعمل مع روسيا.
وفيما يتعلق بالعلاقات الفرنسية الأمريكية، بدأت واشنطن تحقيقاً بموجب المادة 301 يدور حول ضريبة الخدمات الرقمية الفرنسية.

يبدو أن المسافة بين الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى تتباعد، وهذا التنافس الاقتصادي المكثّف بين الولايات المتحدة وأوروبا له أهمية سياسية وإستراتيجية وجيوسياسية كبيرة، فالخلافات التجارية بينهما لا تؤثر على العلاقات الأطلسية في المستقبل فحسب، بل قد تؤثر أيضاً على العلاقات الأمريكية مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبلدان الأخرى.

لقد هزّت سياسة “أمريكا أولاً” النظام الدولي وألحقت الضرر بالنظام التجاري الدولي، لكن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من استخدام سياسة “العصا الكبيرة” ضد أي شريك تجاري. كانت الولايات المتحدة تؤيد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وشراكة تجارية أفضل مع المملكة المتحدة. وواشنطن تأمل على وجه الخصوص، بالتأثير على استراتيجيات المملكة المتحدة الاقتصادية والتجارية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فمن خلال استغلال رغبة لندن في إعادة الاندماج في نظام التجارة العالمي، تجبر واشنطن لندن على تقديم تنازلات في التجارة والخدمات.

لقد دعمت إدارة ترامب انسحاب لندن من السوق الأوروبية الموحدة، ومن الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي، متوقعة أن تقبل المملكة المتحدة الإطار التنظيمي للولايات المتحدة. كما واصلت الولايات المتحدة الضغط على الدول الأعضاء الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، في محاولة لتولي زمام المبادرة في النزاعات التجارية، علماً أن التعاون التجاري بين أمريكا وأوروبا كان أحد أهم أدوات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فوفقاً للبيانات الصادرة في عام 2017، تمّ دعم العمالة في الاتحاد الأوروبي من الصادرات، وتجاوز إجمالي استيراد وتصدير السلع والخدمات 5.4 تريليون يورو (6.1 تريليون دولار).

كان الاتحاد الأوروبي يدرك أن النزاعات التجارية ستؤدي إلى خسائر لكلا الجانبين، لكن لم يكن أمامه سوى الردّ على “العصا الكبيرة” التي تستخدمها الولايات المتحدة. لذلك من المرجح أن تنتقل الاحتكاكات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأعضاء الرئيسية في الاتحاد الأوروبي إلى قضايا أخرى، بما في ذلك التكنولوجيا الرقمية والاتفاق النووي الإيراني، والإنفاق العسكري للناتو، والتعاون في مجال الطاقة وتغيّر المناخ.

على العموم، لم تؤدِ سياسة “أمريكا أولاً” إلى زيادة العبء على القضايا العالمية فحسب، بل أدّت أيضاً إلى زيادة الضغط على حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، وهذا من شأنه تدمير القواعد العالمية ونظام التجارة بعد الحرب العالمية الثانية، ومن المحتمل أن تقع الإدارة الاقتصادية العالمية فريسة “لقانون الغاب”!.

إن أفضل خيار للاتحاد الأوروبي للحدّ من الضرر، هو دعم قدرته على مواجهة الولايات المتحدة على المستوى الثنائي، مع الدفاع عن النظام التجاري الدولي متعدّد الأطراف، كما يجب أن تكون له تجارة حرة ومفتوحة مع بقية العالم.