تحقيقاتصحيفة البعث

لتطوير أدائها المؤسسات الصناعية.. محاولات لتعزيز حضورها الإنتاجي وإعادة الهيكلة من الأولويات

لم تتمكن المؤسسات الصناعية خلال الحرب من تسجيل أي حضور يذكر في مضمار لعبة الأسواق، وتوفر المواد بأسعار تناسب مواطناً يخوض حرباً ضروساً، فوصف بعضها بالخاسر والمستنزف لخزينة الدولة، وبحسب الدراسات انحدرت مساهمة القطاع الصناعي من 10% عام 2000 إلى 7,8% عام 2002، وهي فترة ازدهار خالية من العقوبات والحصار، ومع ذلك يصر المعنيون على أن المؤسسات الصناعية لم تفشل في الامتحان، مستندين بحجتهم إلى إنتاج الكونسروة، والأجبان والألبان، بالمقابل لعب بعض التجار والقطاع الخاص دوراً أقوى، فكانوا المتحكمين بالسعر، وبتواجد المادة، لتبقى وزارة الصناعة تعلّق خسائرها، وتذبذب نشاطها على شماعة الحرب.

دفاع
مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصناعة الدكتور إياد مقلد دافع عن جهود الوزارة، مبيّناً أن المؤسسات قامت بإنتاج المواد الصناعية وضخها في الأسواق عبر مؤسسات التدخل الإيجابي، ما شكّل نوعاً من التوازن في الأسعار، بالتوازي مع تأهيل المنشآت التي تضررت خلال الحرب، وإدخالها في العملية الإنتاجية من جديد، وعن مساهمتها على الأرض أكد مقلد أنه لا توجد إحصائية محددة عن مساهمة المؤسسات الصناعية على أرض الواقع، معتبراً أن مساهمة الكونسروة والألبان والأجبان شاهد على العمل، ورغم أن الجميع اكتوى من نار الأسعار، أصرّ مقلد على أن المؤسسات الصناعية خلقت توازناً فيها، إذ لو بقيت على هواها لارتفعت بشكل كبير، إلا أن قيام القطاع العام بتأمين حاجة السوق من المنتجات كبح جماح الأسعار، وكذلك الصناعات النسيجية والهندسية استمرت بعملها وإن كان بشكل جزئي على حد تعبيره، وفي المجال الكيميائي أشار إلى فتح فرع جديد لتاميكو، وتركيب خطوط إنتاج جديدة، ولم تشهد الأسواق انقطاعاً لأي صنف ونوع من الأدوية خلال سنوات الأزمة.

تغيير مهام
وقال الدكتور مقلد: خلال الظرف الراهن باتت مهمة وزارة الصناعة إنتاجية، أي إنتاج المنتجات وبيعها للسوق المحلية عبر مؤسسات التدخل الإيجابي، والوكلاء، وليس مهمتها التوزيع والرقابة على الأسعار، وكانت خطة الوزارة استثمار كافة المواد الأولية المنتجة محلياً، وتصنيعها بهدف زيادة القيمة المضافة، وتحقيق سلاسل القيمة الإنتاجية، وتم إدراج عدد من المشاريع في عدة محافظات، وعند السؤال عن مصير الحمضيات، والتشدق بمعامل العصائر، وإنصاف الفلاح، اعترف مقلد بالتأخير الحاصل بمشروع معامل العصائر، عازياً ذلك لأسباب ذاتية، وأخرى موضوعية مردها العقوبات الاقتصادية، فكانت العروض التي تأتي مرتفعة جداً، إلا أن الوزارة مؤخراً وجدت شريكاً استراتيجياً هو الجانب الإيراني، وخلال أقل من عام سيتم الانطلاق بالمشروع، إلى جانب العمل على مشروع استثمار حجر البازلت في السويداء، وصفه مدير التخطيط بالرائد على مستوى القطر لفوائده الكبيرة، إضافة لاستثمار رمال الكوارتيزيه في حمص، وعدد من المشاريع المدرجة في خطة “الصناعة” سيتم تمويلها ذاتياً، ناهيك عن وجود مشاريع استراتيجية كبيرة ستتم بالتعاون مع شركاء أصدقاء، ومشاريع أخرى رائدة وواعدة.

تفوق الخاص
ورداً على التهم الموجهة للوزارة بإفراغ خزينة الدولة، شدد مقلد على نفي ما تم تداوله، موضحاً أن وزارة الصناعة لم تفرغ الخزينة، لكن المشاريع والخطط الاستثمارية تتزايد عاما تلو الآخر، والاعتمادات متزايدة، فإذا كانت في الـ 2015 /8/ مليارات، فقد ارتفعت إلى /16/ ملياراً في العام الذي تلاه، وإلى /21/ في الـ 2017، و/31/ ملياراً في الـ 2019، والوزارة على حد تعبيره تحتاج لأكثر بكثير من ذلك إذا ما تم لحظ حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع الصناعي، والتي تزيد عن 1075 ملياراً، نافياً في السياق ذاته الإحصائيات المتداولة عن انحدار مساهمة القطاع الصناعي، وأوضح أن المساهمة منذ الـ 2000 سواء العام والخاص كانت في تزايد، وليست في تناقص نتيجة الإصلاحات التي تمت، والقوانين التي ساهمت بتحسين البيئة التشريعية، إلا أن القطاع الخاص كان سبّاقاً لبعض المشاريع، ونتيجة القوانين التي تحكم القطاع العام كانت خطوات الإنجاز والتقدم بطيئة، وتحتاج لزمن لإنجازها.

صناعة رابحة
بدورها لم تتوان ريم حلله، مديرة المؤسسة العامة للصناعات الغذائية، عن صد التهم الموجهة لمؤسستها، والتي جاءت على لسان أحد الوزراء السابقين بأن المؤسسة خاسرة، وقالت حلله: هي من المؤسسات الرابحة، وتساهم بشكل كبير بتحقيق أمن غذائي على مستوى سورية من خلال تأمين منتجات أساسية غذائية للمواطن بأرخص الأسعار، حيث إن هامش الربح ضئيل جداً، كما أن المنتج الذي تنتجه شركات القطاع العام الصناعي التابعة للمؤسسة الغذائية ذو مواصفات وجودة عالية، وأضافت: ضمن الظروف الصعبة تواجدت شركات شبه متوقفة استعادت عافيتها، وكان للعمالة دور كبير (آلية التشغيل) بتدفق البضاعة إلى الأسواق، وقامت بخلق نوع من التوازن بالأسعار والجودة بين منتجاتها والقطاع الخاص، كما أن المؤسسة الغذائية من ناحية حجم العمل هي أولى مؤسسات الوزارة الرابحة، وتشكّل رديفاً هاماً للاقتصاد الوطني، وقادرة على إعطاء فائض بالسيولة لتمويل مشاريعها، وتعمل المؤسسة، بحسب المديرة، على ضمان أمن غذائي، وذلك بالاستفادة من كل الموارد الزراعية الموجودة، وتحويلها لمنتجات صناعية غذائية تحقق قيمة مضافة عالية، ويتم العمل على ذلك عبر خارطة زراعية صناعية توفر الضمان الغذائي من طرف، وتؤمن منتجات بديلة عن المستوردة، وتعزز الميزان التجاري من طرف ثان، وبالإضافة للتعاون مع وزارة الزراعة، نوّهت حلله إلى قيام “الصناعة” بتيسير عمل القطاع الخاص، والدخول لمضمار هذه المشاريع، ومن وجهة نظرها ليس من مصلحة المؤسسة الدخول في منافسة القطاع الخاص عند قدرة الأخير على تغطية حاجة السوق من منتج معين وتصديره، بل الأفضل تطوير المشاريع، والمؤسسات القائمة، والدخول لقطاعات لا يقدر الخاص على دخولها.

قبل البت
وللوقوف على دور تلك المؤسسات بشكل أوضح التقت “البعث” المهندس حسام نشواتي، رئيس مجلس إدارة الجمعية السورية للتسويق، حيث اعتبر مؤسسات القطاع العام رديفاً أساسياً للصناعات في الدولة، ولها عدة أدوار استراتيجية تقوم بها على الصعيد المحلي، ولا يمكن إنكار أن بعض هذه المؤسسات كانت متعثرة، أو ذات تنافسية قليلة، ولكن حتى نستطيع تقييم عملها ودورها– والقول لنشواتي- بشكل دقيق وممنهج يجب معرفة كل مكونات وجودها ودورها المطلوب، إن كان على الصعيد الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو السياسي، فخلال الحرب التي شنت عانى عدد من المؤسسات الصناعية الويلات، فمنها من تضرر وأصبح خارج الخدمة، ومنها من توقف نتيجة ظروف قاهرة، ومنها من تابع عمله بالحد الأدنى نتيجة عدم حاجة السوق للمنتجات، أو عدم توفر المواد الأولية للإنتاج، ومنها من استمر وعزز عملية الصمود في وجه الحرب الشرسة، يقول نشواتي: بالمجمل يعتبر الدور الأهم لمؤسسات القطاع العام تحقيق الدعم والتوازن في الأسواق، وتأمين المواد الأساسية للمستهلك دون النظر في بعض الأحيان للحالة الربحية، إذ إن دورها المنوط بها يقوم على أساس تقديم الدعم، ومن هنا وخلال فترة الحرب يجب علينا تقييم دور المؤسسة وعملها، وهل استطاعت القيام به، وأسباب تعثرها قبل أن ندرس الحالة الربحية لها؟ كما أن الدور الاجتماعي لعدد من المؤسسات كان في بعض الأحيان يفوق دورها الاقتصادي من خلال دفع رواتب العمال والموظفين، وتأمين سبل العيش لعدد كبير منهم، والتخفيف من أعباء البطالة، والهجرة، وغيرها من الآفات الاجتماعية التي ظهرت في الحرب.

التقييم سابق للأوان
وأوضح نشواتي أن الصناعات الغذائية والألبان والأجبان عماد التدخل الإيجابي لدى القطاع العام، وتأمين الاحتياجات الأساسية لدى المواطن ، وإذا كانت هذه المؤسسات تحقق الربحية والتدخل الإيجابي فنكون قد حصلنا على مثال نموذجي وفعال عن عمل هذه المؤسسات، ولا نستطيع في مرحلة الحصار الحالية تقييم التجربة، ودور المؤسسات، حيث تعود عملية تقييم النتائج إلى مرحلة لاحقة توضع فيها كل المعوقات والصعوبات، وأساليب تخطيها، وهل نجحت هذه الإدارات في تجاوزها؟ وإلى أي مدى؟ وأضاف:بعد عودة الأمان إلى أغلب المناطق السورية، تطورت الصناعات الغذائية بشكل سريع وفعال، واستطاعت تأمين احتياجات السوق إلى حد كبير، وهنا لابد من الإشارة إلى المشاريع متناهية الصغر، ودورها الإيجابي، وضرورة العمل على تطوير أدواتها، ودعمها، وإيجاد الأطر التشريعية والقانونية الناظمة لعملها لضمان نموها وازدهارها ضمن بيئة الإنتاج المحلي الداعم للقطاع الاقتصادي، ولم ير مانعاً من تبني بعض مؤسسات قطاع الإنتاج العام لهذه المشاريع، والتعاون معها من أجل تطوير عملية الإنتاج ودعمها، وبالتالي انعكاس هذا الدعم على الأسر الفقيرة والريفية.

بيئة عمل متوازنة
بيّن رئيس مجلس الإدارة أن الحرب استهدفت منذ اليوم الأول المؤسسات والقطاعات الحكومية، والذي نجا منها جاء الحصار الاقتصادي الجائر لمحاولة النيل منه، لذلك كان هناك تحرك أكثر بقليل للقطاع الخاص من القطاع العام، ومع أن القطاع الخاص استهدف أيضاً بالحرب والحصار، يقول نشواتي، فإن مرونة مفاصل عمل القطاع الخاص تجعل النيل منه أصعب بقليل، ومع ذلك فإننا نواجه حصاراً جائراً وخانقاً بمختلف القطاعات والمجالات، وبالتالي استطاع القطاع العام تلبية احتياجات السوق بالقدر الأعظمي ضمن الإمكانات المتاحة، حيث خلق بيئة عمل متوازنة سعت إلى دعم المستهلك من خلال تأمين احتياجاته الأول بالأول، وضمن الضغوطات، ومحاربة الإرهاب، والحصار الخارجي، وفي ظل الأحوال الحالية فإن إعادة تطوير هذه المؤسسات تحتاج إلى إعادة تقييم العمل فيها وهيكلتها ودعمها بالموارد والخبرات اللازمة لتنشيط عملها، والتعاون مع الجهات الداعمة لعملها وفق تشريعات خاصة تساعدها في تجاوز عقباتها، وتطوير آلية إنتاجها ودعمها.

نجوى عيدة