اقتصادصحيفة البعث

بتوصية من اللجنة الاقتصادية العاشق والمعشوق في أقفاص الاستبعاد والمنع لصالح التهريب.. والأرقام تكشف غياب الأسباب الموجبة

دمشق – بشير فرزان

قد يكون من الصعب توجيه انتقاد مباشر أو تسجيل تحفظ على الكثير من القرارات الاقتصادية الصادرة ضمن سلسة الترشيد والحفاظ على القطع وحماية المنتج الوطني؛ لكونها ضمن المحصنات التي فرضها الواقع الاقتصادي المأزوم وشرعنتها ظروف الأزمة، إلا أن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى ما تكشفه مثل هذه القرارات عن حالة التخبط التي يعيشها صانع القرار، والإيحاء بأن هناك جهات تتابع وتعمل وفق التوجهات والمصلحة العامة، في حين أنها ليست إلا محاولة يائسة لنثر الرماد بالعيون، فالتدقيق في تفاصيلها يكشف عن حالة عجز وأخطاء في توجيه القرار الاقتصادي نحو اللاشيء.

ولاشك أن كتاب رئاسة مجلس الوزراء 9368/1 تاريخ 4/7/2019 المتضمن الموافقة على توصية اللجنة الاقتصادية رقم /24/ تاريخ 1/7 /2019 بخصوص استبعاد بعض المواد من الدليل التطبيقي المعتمد لمنح الموافقات لإجازات وموافقات الاستيراد حيث تم استبعاد (الملح والنمور والأسود والغزلان وطيور الزينة ومعجونة الأطفال والأحذية الطبية وألواح جيبسن بورد) يمنح فرصة متكافئة لإثبات صحة التوجهات والقرارات المتخذة أو إخفاقها في أحداث تحول حقيقي في الواقع الاقتصادي، وبشكل يكشف عن تواضع العائدات الناتجة عن القرارات الاقتصادية التي يتم زجها في لعبة إثبات الفاعلية والحضور على ساحة العمل الاقتصادي.

اعتراض وتحفظ

وبالعودة إلى قرار الاستبعاد الذي أضر بمصالح العديد من المربين والتجار العاملين في تربية واستيراد وتصدير الحيوانات نجد أنه يلاقي اعتراضات كثيرة ومطالبات بطيه؛ نظراً لكونه مغايراً للواقع ويؤثر على حياة آلاف الأسر التي تعتاش على هذا العمل الذي يشكل مصدر رزقها، في الوقت ذاته تعد المهنة التي أتقنتها بشكل مكنها من تصدير أعداد كبيرة من الحيوانات وطيور الزينة بما ساهم  في رفد الخزينة بالقطع الأجنبي وبعائدات التصدير من رسوم جمركية وضرائب وغيرها.

وتساءل أصحاب هذه الأسر مستغربين لماذا المنع؟! إذا كان هناك جدوى اقتصادية وطنية ناتجة عن عمليات التكاثر والتصدير إلى مختلف دول العالم، وأكدوا أن عمليات الاستيراد تتم فقط للتهجين واستنباط أنواع جديدة تضمن التكاثر وتحسن النوعية من أجل الحصول على حصة أكبر في السوق، مثل (الغزلان والأسود والنمور والعاشق والمعشوق الكناري والحمام والببغاء والراماج وغيرها)، وأكدوا أن هذه المهنة ساهمت في تأمين فرص عمل، وتشغيل الأيدي العاملة، وتأمين مصدر رزق مقبول للعائلات في مشاريع يمكن إدراجها ضمن منظومة المشاريع الصغيرة.

وأضافوا أن القرار أدى إلى تنشيط عمليات التهريب بشكل رفع العمولات الناتجة عن استخدام وسطاء لتأمين بعض الأنواع من أجل التهجين، وبشكل انعكس أيضاً على السوق المحلية من خلال رفع الأسعار، إضافة إلى رفع أسعار أغذية الحيوانات، وهذا ما أثر سلبياً على هذه المهنة التي يعمل فيها آلاف الناس سواء لناحية التربية أو المتاجرة.

تواضع الأرقام

في مديرية الصحة الحيوانية قدم لنا الدكتور حسين سليمان بعض الأرقام التي تبين حركة الاستيراد والتصدير للحيوانات، حيث بينت الأرقام أنه في عامي 2018 و2019 تم استيراد 10 أسود و3 نمور و94 غزالاً و50 قرداً و554 طيور زينة، وتصدير 91738 طير زينة، لافتاً إلى أن المديرية تعمل وفق قانون حماية الثروة الحيوانية والقرارات الصادرة عن الجهات المعنية.

وبالتدقيق في هذه الأرقام نجد أنها تجرد قرار المنع من أية عائديه فعلية، فالمقارنة الرقمية تكشف أن حركة التصدير وخاصة لطيور الزينة التي تراوح أسعارها مابين 10 و15 دولاراً أكبر من حيث العائدية التصديرية، وفي المقابل تبين أرقام الاستيراد أن قيمة الاستيراد لباقي الحيوانات ضئيل جداً؛ فمثلاً سعر السبع مابين 2000 و2500 دولار والغزال 200 دولاروالقرد 200 دولار  و10 دولارات لطير الزينة، أي إن مجموع ما تم استيراده لا يشكل رقماً كبيراً يستدعي المنع، وطبعاً بالنظر إلى عدد الأسر وفرص العمل المتوفرة من هذا العمل و العائدية المادية على الواقع المعيشي.

بشكل دوري

تساؤلات عديدة حملناها إلى ثائر الفياض مدير التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد الذي أكد أن قرارات المنع تتم استناداً إلى التوجهات الهادفة لحماية الصناعة الوطنية والمنتجات المحلية والحفاظ على القطع الأجنبي، حيث تتم مراجعة الدليل التطبيقي لمنح موافقات وإجازات الاستيراد المعتمد من قبل رئاسة مجلس الوزراء بشكل دوري بحيث لا يتم منح أي إجازة استيراد مخالفة للدليل، وأشار إلى التنسيق مع كافة الجهات المعنية عند استبعاد أي مادة من الدليل الاسترشادي.

 

لمصلحة من

إصدار الأحكام على صوابية أو إخفاق القرار الاقتصادي في تحقيق أهدافه مهمة صعبة، وتحتاج إلى خبرة ومعرفة في القضايا الاقتصادية، ولا يمكن إطلاقها إلا بعد العودة والتدقيق في العائدية والجدوى الاقتصادية، إلا أن ذلك لا يمنع  الإشارة إلى تداعياتها بقصد التصويب، خاصة مع وجود الكثير من الأسر المتضررة وخاصة في موضوع طيور الزينة التي باتت عملاً أسرياً بامتياز، هذا إلى جانب تربية الكثير من الأنواع الحيوانية التي ترفد الدخل الأسري بمورد مالي جديد يساعد في عدم الانزلاق إلى ما تحت خطوط الفقر.