تحقيقاتصحيفة البعث

رسائله مهمة الإعلام التنموي.. إمكانات محدودة وإغراق للأهداف والروتين ونقص الكوادر المؤهلة يضعفان الفاعلية

مازال الإعلام التنموي يعاني من العقبات والمصاعب التي يتعرّض لها، وفي مقدمتها سيطرة الروتين في مختلف المؤسسات، وضعف الإمكانات المادية، والنقص الكبير في الكوادر البشرية المؤهلة، وغيرها من المعوقات التي قد تخرج أهدافاً سامية عن مسار التطبيق، فما هو واقع الإعلام التنموي؟ وما هي الخطوات المتخذة لتفعيل وتنشيط حضوره؟.

مفهوم شامل

الإعلامية المتخصصة بصفحات المجتمع غصون سليمان ترى أن وصف الإعلام التنموي كمفهوم ورسالة بمثابة جسر للعبور والتعبئة للعديد من المفاهيم والقضايا التي يحتاجها الإعلامي أو الصحفي في تجربته المهنية، حيث مارس من خلال مديريته على مدى سنوات طوال الكثير من الأدوار التي أخذت طابع العمل التشاركي والتشبيك بين العديد من المؤسسات الرسمية، والأهلية، والمنظمات الدولية المعروفة، وهنا يمكن القول إن الإعلام التنموي ركز ويركز بشكل كبير على مسألة الوعي والمعرفة عبر طرحه ومناقشته لقضايا المرأة المختلفة، وواقع الطفولة، وما يستجد عليها من تغيرات قسرية خلال سنوات الحرب، إضافة إلى تمكين الإعلاميين بالمعارف والمهارات بما يعزز القدرة على التفاعل، وتوظيف المادة الإعلامية، بما يناسب واقع الحال والمتلقي، حيث أقيمت على سبيل المثال لا الحصر عشرات الندوات، وورش العمل حول قضايا السكان، والرقم الإحصائي، وكيف يترجم إعلامياً بشكل صحيح لخدمة المتلقي، بالإضافة إلى العنف القائم على النساء، وتجنيد الأطفال، والمنعكسات السلبية للتسول، والتسرب المدرسي، والإتجار بالأشخاص، إلى جانب مفهوم الإعاقة، متطلباتها، ونظرة المجتمع، وغيرها الكثير من المواضيع، والتنمية بما تشكّله من أبعاد على جميع المستويات هي الركيزة الأساسية لوعي المرأة، ورعاية الطفولة بالمفهوم المجتمعي على الصعيد النفسي، والجسدي، والروحي، وأضافت سليمان بأن عمل الإعلام التنموي على استقطاب كل المجموعات لقي حضوراً جيداً نظراً لقدرته على التشبيك والتنسيق مع جميع الجهات صاحبة العلاقة من قطاعات، ومؤسسات عامة وخاصة، أكاديمية وغير أكاديمية، ويمكن القول إن تجربة الإعلام التنموي في سورية تجربة غنية لا شك، كما أن الإعلام التنموي أدى دوراً مهماً خلال سنوات الحرب العدوانية على بلدنا، لذلك نأمل أن تكون متابعته أكبر، وحضوره أكثر في آليات بنية عمل المجتمع، ونحتاج إلى تخصص في الإعلام التنموي، بحيث تكون لديه مجموعات عمل إعلامية تخصصية من كل الأنواع الصحفية بالتنسيق مع رؤساء ومديري المؤسسات الإعلامية، والمواقع الالكترونية لمتابعة العناوين والقضايا التي يتم طرحها، وتسليط الضوء عليها، ورصد مستجداتها، لذلك نحتاج التخصص للعلاج والمعالجة في سياق الرسائل الإعلامية.

محاولات مثمرة

عمار غزالي، مدير الإعلام التنموي في وزارة الإعلام، أشار إلى أن الإعلام التنموي أخذ مشروعيته من خلال محاولاته الجادة والصادقة لتلبيته حاجات الناس ومتطلباتهم، حيث ألقيت على عاتقه العديد من المهام التنموية المطلوبة للمرحلة القادمة بعد فترة الحرب الإرهابية على سورية، والتي تهتم بقضايا اجتماعية ثقافية مهمة مثل عمالة الأطفال، وقضايا المرأة، والعمل على استبيانات تهتم بالسكان، وملفات الصحة، والتسول، والإدمان، والإتجار بالبشر، وغيرها.

وبيّن غزالي أن الإعلام التنموي في مرحلة ما قبل الحرب لم يكن يحظى بميزانية مستقلة رغم تكليفه بالكثير من المهام على المستوى الوطني للنهوض بالتنمية، وكان يعمل وفق معونات مختلفة التسميات إلى أن تم تخصيص بند في موازنة وزارة الإعلام يخص الإعلام التنموي، وفي بداية عام 2016، حيث تم إصدار مصفوفة الإعلام التنموي الأولى من قبل رئاسة مجلس الوزراء، وفي العام الذي تلاه تم توسيع العمل ليشمل العديد من القضايا الاجتماعية الملحة، وتمت إقامة ورشات عمل، وتدريب وتأهيل للإعلاميين والمختصين بالتعاون مع منظمات دولية مثل اليونسكو، واليونيسيف بهدف رفع سوية وقدرات الإعلاميين على نقل الخبر التخصصي بحرفية.

معوقات

ورأى غزالي أن أبرز المعوقات التي تعرّض لها الإعلام التنموي منذ مرحلة ما قبل الأزمة وحتى اليوم تجلت بسيطرة الروتين على عمل الإعلام في العديد من الوزارات، ما أعاق العمل، وكان الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع غير متاح لفترة طويلة من الزمن نتيجة سيطرة المجموعات الإرهابية على أماكن تواجدهم، خصوصاً في المنطقة الشرقية والشمالية، وعدم الاهتمام الكافي بعمل الإعلام التنموي، وتخصيص أوقات مناسبة لبث فعالياته ونشاطاته، وابتعاد وقت البث عن وقت الذروة بشكل كبير، وضعف التغطية الإعلامية في الصحف، ما خلا بعض صفحات المجتمع لبعض القضايا ، وكان تأهيل الإعلاميين المتخصصين بالإعلام التنموي على اختلاف قضاياه من أبرز أهداف وزارة الإعلام التي تعمل على تحقيقها حتى الساعة، يضاف إلى ذلك الضعف في ميدان الدراسات والاستبيانات نظراً لدورها في إعطاء أرقام دقيقة عن أية حالة تتم دراستها، لأن الكثير من المواضيع المهمة تخضع للروتين القاسي، وغياب الرقم عن الإحصائيات المطلوبة، وضعف التمويل، خصوصاً في المحافظات البعيدة.

حضور

وأكد مدير الإعلام التنموي أنه رغم تراجع الفعاليات التنموية خلال فترة الحرب، وسيطرة الخبر العسكري على وسائل الإعلام، إلا أن الإعلام التنموي كان حاضراً بقوة في مختلف مناحي القضايا الاجتماعية الملحة التي طرأت على سورية في هذه الفترة، وقد تضمنت خطة الوزارة مؤخراً إنشاء مواد إعلامية بطريقة مختلفة عما كان معمولاً به سابقاً عبر إنتاج مقاطع درامية حول القضايا التي يتم العمل عليها، ووضع خطة عمل منهجية لإقامة ورشات عمل تخصصية بالتعاون مع العديد من المنظمات الدولية بمشاركة شخصيات أكاديمية، وخبرات وطنية وأجنبية لبناء هيكلية متطورة للإعلام التنموي تساهم في عملية إعادة الإعمار، وتساعد على حل الكثير من القضايا الجدلية، كما كان لمديرية الإعلام التنموي حضور بارز كممثّل لوزارة الإعلام في العديد من الورشات التخصصية لمختلف الوزارات والمنظمات، وكعضو فاعل في العديد من اللجان الوطنية المختصة بقضايا المواطن بتشاركية مع عدد من الوزارات، وقام الإعلام التنموي بإنجاز مشروع إنشاء إعلانات طرقية عن قضايا مهمة مثل التسول، والإدمان، وهدر الطاقة، والشباب ومشاكلهم، ويتم العمل على إعادة الإذاعة المدرسية إلى سابق عهدها نظراً لدورها الفاعل في استقطاب الأجيال في عصر السوشيال ميديا، ويقوم الإعلام التنموي بإنتاج رسائل توعوية عن الكثير من المواضيع التي تهم المجتمع من خلال الاستفادة من الشخصيات العامة في نشر الأفكار الصحيحة التي تساهم في بناء المجتمع، والنهوض بالتنمية إلى الحالة التي نريد الوصول إليها، وتم إصدار طابع بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بجهود وزارة الإعلام، ومديرية الإعلام التنموي.

 

خطة

وكشف غزالي أنه بعد أن تم البدء بتطبيق المصفوفة الثانية، والقيام بعدد من التعديلات حول الحفاظ على المال العام، والمرافق العامة، وتنمية الحس الوطني، وتذكير المواطن أنه شريك أساسي في المجتمع، بدأ الإعلام التنموي بالإقلاع نحو تطبيق الأهداف التي وضعها بطموح كبير، علماً أن الإعلام التنموي يعتبر من الأعمال المجهدة نظراً لأنه يحتاج إلى فترة طويلة لجني ثمار عمله، كما تم وضع خطة للاستفادة من الشخصيات العامة المؤثرة في المجتمع في تنمية وتطوير الإعلام التنموي، وقد بدأ الإعلام التنموي هذا العام بإنتاج العديد من الفواصل الدرامية عن بعض المشاكل حول أخطار الأسلحة، والأطفال، وترشيد المياه والكهرباء، وتمت إقامة الكثير من الأيام العالمية لحث المنظمات الدولية على أخذ دورها الفاعل في المرحلة المقبلة.

 

ورشات

وأشار غزالي إلى أنه تمت إقامة الكثير من الورشات التخصصية بالتشاركية مع مختلف المنظمات الدولية عن مختلف قضايا التنمية، والسكان، والطفولة، واللجوء، وغيرها من القضايا الاجتماعية التي تساهم في إعادة الإعمار، وقد تم العمل على تأسيس مديريات الإعلام التنموي في مختلف وسائل الإعلام، ويتم التواصل مع هذه المؤسسات للتشاركية في القضايا التنموية، وهناك تعاون كبير في هذه الناحية مع مختلف الوزارات، حيث يفترض أن يقوم الصحفي بالتوجه المباشر إلى الأماكن التي يريد دراستها، ولكن المكاتب الصحفية تعمل عمل المعيق أحياناً لمهام الصحفي، وتمت إقامة الكثير من الورشات الداخلية على مستوى الوزارة لبناء كوادر مؤهلة.

إشكالية

ويرى د. عربي المصري، المدرّس في كلية الإعلام، أن إعلامنا الوطني يعاني من جملة عوائق، لذلك يحتاج إلى تضافر جهود مختلف الجهات لمساعدة الإعلام على القيام بدوره، لأنه ينطلق من مبدأ تقديم الخدمات للناس، وتعديل رسالته لينشر فكراً خالصاً، ويقوم بالتخلص من المشاكل، ليصبح الإعلام بشكل عام، والإعلام التنموي بشكل خاص، المرآة الحقيقية للناس، ويختلف دور الإعلام التنموي بأبعاده التعليمية، والاقتصادية، والاجتماعية، مع أنه خلاصة لكل هذه الأنواع، وقد حاول الإعلام التنموي بذل قصارى جهده من خلال الرسائل التي بثها، وورشات التدريب التي أقامها في شتى المجالات، وتحويل هذه الدائرة إلى مصنع للأفكار الإيجابية التي ستساهم بأثر إيجابي في المرحلة القادمة، لذلك يتطلب تطوير الإعلام التنموي بث رسائل مستمرة كي يستطيع تحقيق ذاته، مع الإشارة إلى وجود إشكالية بالعمل ناتجة عن ضعف في الإمكانات المادية، وعرقلة مشاريعه نتيجة الروتين المسيطر على المؤسسات المختلفة، والنقص الكبير في الكوادر العاملة في هذا الميدان، كما أن التأثير الأكبر الذي يعاني منه الإعلام التنموي يتجلى بعدم بث الرسائل الهامة على مدار الوقت للاستفادة منها بالشكل الأمثل.

من الآخر

رغم الصعوبات التي يعاني منها الإعلام التنموي، إلا أنه حقق حضوراً في الفترة الماضية، فهل ستتضافر الجهود لتذليل العقبات التي يعاني منها، ويتم تأهيل كوادر نوعية تساهم بالارتقاء بعمل الإعلام التنموي نظراً لأهميته للمرحلة القادمة.

مرهف هرموش