تحقيقاتصحيفة البعث

من أجلها “المساحات الآمنة”.. مراكز توفر الأمان الذاتي للمرأة وتقدم الدعم الاجتماعي لضحايا العنف والحرب

تعاني نسبة لابأس بها من النساء السوريات من ظاهرة العنف المنطوية على التخلف الاجتماعي، وتجيير المبادىء الدينية والأخلاقية لصالح الرجل، رغم دعوة تلك المبادىء في جوهرها للتوادد والتراحم بين الرجل والمرأة، ولرعاية المرأة، واليوم بعد أن نفضنا غبار الحرب تبرز في الواجهة ظاهرة المرأة التي تأخذ دور زوجها بعد وفاته، أو فقدانه، أو هجرته، إضافة لدورها كربة منزل، الأمر الذي يثقل كاهلها، ويدمر قسماً من ملكاتها النفسية، وتزامن ذلك مع غياب الدعم، وسوء ظروف المعيشة، ما اضطر الكثير من الجهات الرسمية وغير الرسمية مؤخراً لافتتاح برامج ومشاريع تستهدف تمكين المرأة ودعمها.

دورات ولوازم مجانية

تقدم مراكز دعم وتمكين المرأة في جمعية تنظيم الأسرة السورية “المساحات الآمنة” خدماتها الهادفة لتوفير الراحة النفسية، وحرية التعبير للمستفيدات من النساء، وتمكينهن اقتصادياً من خلال ورش تدريب مهنية، وتقديم الدعم المعرفي، والنفسي، والاجتماعي لهن، وفق ما أكدته للبعث ربا لقمشها، المشرفة الميدانية للمساحات الآمنة في”الجمعية”، وقد أنشئت المساحات الآمنة بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان  UNFPA، وبلغ عدد المساحات الآمنة 18 في المراكز، بالإضافة إلى 20 فريقاً جوالاً يقدم جلسات تثقيفية طبية، ونفسية، واجتماعية في كافة المناطق، وتتوزع المراكز في: الحلبوني، الميدان، مساكن برزة، ضاحية قدسيا، أشرفية صحنايا، الكسوة، مضايا، كفربطنا، دوما في دمشق وريفها، وفي حيي الإنشاءات والدبلان في حمص، وفي محافظات: حلب، حماة، اللاذقية، طرطوس، درعا، السويداء، دير الزور، وتجري المساحات الآمنة العديد من الدورات التدريبية مثل: الصوف بسنارة، بسنارتين، تريكو، تطريز يدوي، صناعة الاكسسوارات، الحلاقة والتجميل، الرسم على الخشب والزجاج، الرسم الفني، الموسيقا، الزراعات المنزلية، الخياطة، الطبخ، صناعة الحلويات، صناعة المنظفات، دورات خاصة بشهادات: التعليم الأساسي، والثانوي، ومحو الأمية، واللغة الانكليزية، واللغة الفرنسية، والكمبيوتر، إسعاف أولي، تمريض، الدفاع عن النفس، الرياضة، ومعظم المستفيدات من الفئات المتوسطة، والفقيرة مادياً، حنان عبد الجليل، مشرفة مركز المساحة الآمنة في مساكن برزة أوضحت أن البعض يجهلون ماهية المساحات الآمنة، ويظنون أنها مراكز الإيواء لاستقبال المهجّرين، في حين أنها عبارة عن مراكز توفر الأمان الذاتي للمرأة المستفيدة، وتستهدف “المساحات” شريحتين من السيدات: الأولى التي تعرّضت للعنف الاجتماعي، سواء كان من أفراد عائلتها، أو من صاحب العمل، والثانية تمثّل السيدات اللواتي عانين من آثار الحرب في المناطق الساخنة، وتعانين من فقدان أو وفاة المعيل، ويتم تقديم الدعم الاجتماعي للشريحتين المذكورتين آنفاً من قبل الاختصاصيات الموجودات في المراكز، وتوجيههن لتعليمهن مهنة تناسب اهتمامات كل منهن لتمكينهن من الاعتماد على النفس اقتصادياً، وقد حقق عدد كبير من المستفيدات أعمالاً ناجحة بفضل “المساحات”، واستفدن من تقنيات التسويق الحديثة في الترويج لإنتاجهن عبر الأنترنت بعد الانطلاقة منذ نهاية عام 2017، وعدد المستفيدات آخذ بالازدياد، ويقيم مركز مساكن برزة من ست إلى سبع دورات لكافة الاختصاصات كل مدة ثلاثة أشهر، وتتخرج 150 -250 مستفيدة في دورات المركز بنهاية المدة المذكورة آنفاً، ويتم الترويج للمساحات الآمنة عبر فرق جوالة تابعة لجمعيات تنظيم الأسرة، ومن خلال توزيع البروشورات، وعلى صفحة الجمعية على الفيسبوك، وأكدت عبد الجليل أن جميع اللوازم والمواد في هذه الدورات تقدم للمستفيدات مجاناً، كما يتم التنسيق مع الجهات الأخرى كالمنظمات، أو الجمعيات، أو المراكز المجتمعية لإحالة المستفيدات إليها لدعمهن في افتتاح مشاريعهن الخاصة بناء على دراسة دقيقة، وضمانات معينة، ومن تلك الجمعيات المجلس الديناماركي، وجمعية الندى التي تقدم مكنات خياطة للمستفيدات من البرنامج، كما تتم إقامة معارض وبازارات لمنتجات صنعتها المستفيدات، وأضافت عبد الجليل أنه وبناء على رغبة الأهالي بدأت تقيم دورات صيفية للفتيات اليافعات في مركز مساكن برزة بهدف تعليمهن استثمار الوقت، وقتل الفراغ الذي قد يقود إلى توجهات غير صحيحة، كالجلوس على الأنترنت، ويتم تعليم المستفيدات الأشغال اليدوية، واللغة الانكليزية، والتركيز على إجراء جلسات التوعية للمستفيدات من خلال الداعمين الاجتماعيين كهدف أساسي لهذه الدورات.

قصة نجاح

هيام نسيم إبراهيم، مشرفة المساحة الآمنة في مركز الحلبوني، أكدت أن ما يميز المساحة الآمنة في مركز الحلبوني، بالإضافة إلى الدورات المهنية، يتمثّل في إقامة دورات رياضية كنوع من العلاج النفسي، والفيزيولوجي للسيدات الناجيات من العنف لتخفيف الضغوط النفسية، وحالات الاكتئاب، والحالات المرضية مثل: التصلب اللويحي، والديسك، وآلام المفاصل ، بالإضافة إلى وجود دورات الدفاع عن النفس التي تعتبر من أهم الخدمات المندرجة في سياسة برامج الوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأضافت إبراهيم أنه يتم استقبال المستفيدة، وتقييم حالتها، ومعرفة نوعية الخدمة التي تناسبها، ووضع خطة متابعة لمعرفة مدى التطورات الإيجابية للحالة من خلال إلحاقها بجلسات الدعم النفسي، وإلحاقها بدورات مهنية، أو تعليمية، أو ترفيهية، كما تعنى “المساحات” بالمشاركة في الحملات، والاحتفالات العالمية مثل حملة 16 يوماً لمناهضة العنف القائم على المرأة، اليوم العالمي للمرأة، اليوم العالمي للسكان، وذلك من خلال إقامة جلسات التوعية بمواضيع متعددة، وتوزيع الهدايا والبروشورات للمستفيدات، وفي سياق متصل فقد روت لنا إبراهيم قصة إحدى الحالات، وهي امرأة في العشرينات متزوجة، ولديها ولدان، كانت تعيش مع أهلها بعد أن هجرها زوجها، وسافر إلى خارج البلاد، ثم انتقلت للعيش في الحلبوني بعد نزوحها من الغوطة، وهي الآن تعيش في مكان غير مؤهل للسكن مع أخيها الأكبر وأسرته، وقد اضطرت للجوء إلى أكثر من جهة وجمعية لتزويدها بالمعونات بسبب سوء حالتها المادية، ونتيجة لذلك كانت هذه الحالة تشعر دائماً بالفراغ، والوحدة، وانعدام قيمتها في المجتمع، كما أنها تعاني من نوبات رمل مزمنة بسبب سوء حالتها النفسية، إلا أنها تحاول قدر الإمكان إثبات صبرها أمام ولديها الصغيرين، ولديها الطموح بالاستقلال المادي، واستكمال تعليمها، والحصول على الشهادة الجامعية، وأحيلت هذه السيدة إلى دورة الرياضة لتفريغ شحناتها السلبية، كما تم تقديم الدعم النفسي الاجتماعي لها على مدار شهرين جرى خلالهما العمل على توعيتها لأهمية دورها في أسرتها، وتعزيز علاقاتها مع المحيط، وتعليمها مواجهة مشاكلها بقوة، وأهمية قبول وتقدير الذات، وبعد ذلك أصبحت هذه المستفيدة متعاونة بالشكل الكامل، إلى أن قررت الاعتماد على نفسها، والخروج إلى العمل، فتم إخضاعها لدورة لغة انكليزية عدة مستويات، ثم أخضعت بناء على طلبها لدورة كمبيوتر، ما ساعدها في التقدم لإحدى مسابقات التوظيف لدى الجهات العامة.

بشار محي الدين المحمد