ثقافةصحيفة البعث

أدب الزنوج.. موريسون وداعاً

لم يكن لتوني موريسون مثيل ولن يكون، كانت روائية وامرأة حكيمة، تتمتع بنعمة العبقرية غير المألوفة. تقول كاتبة المقال روكسانا غاي المنشور في موقع ذا نيويورك تايمز، أنها كانت في رحلة من باريس إلى نيويورك عندما صدمتها وأحزنتها رسالة صديقها الذي أخبرها عن وفاة السيدة موريسون. “أعرف أنها في الثمانينات من عمرها لكنني كنت آمل أن تكون أول خالدة بيننا”، تقول الكاتبة.
تركت موريسون خلفها الاحترام الذي شكل تراثاً لا يُنسى، والذي كان مدعاة للارتياح أيضاً كونها كانت واحدة من العظماء المحظوظين الذين تم تقديرهم وهم أحياء.
خلال الشهور القليلة الماضية، قرأت الكاتبة بتأن مقالات موريسون، وقد فعلت ذلك لتذوق عملها، وقوة سرديتها الواضحة، وحرصها على استخدامها، ووجدت الكاتبة في مقالاتها “مصدر احترام الذات”، خاصةً الكلمات التي كانت صعبة المنال للرد على تبني الرئيس ترامب للقومية البيضاء، وبرنامج الحكومة غير المقبول لفصل الأسرة ومخيمات الاحتجاز، والسياسيون الذين لا يقدمون شيئاً سوى التفكير والصلاة لمواجهة العنف المسلح، ووصول المرأة الهش لحقوقها الإنجابية واستقلالها الجسدي، وكل شيء آخر ساحق ومروع في هذا البلد.
في عام 2015 ، أجرت السيدة موريسون مقابلة في مجلة “ايرلاين”، كانت لطيفة، كريمة ساحرة وذكية، كان من السهل أن تذهلك. وخلال الحديث يشعر المتابع أن الحديث كان مع شبه إله، إنها امرأة ذات عبقرية خارقة للطبيعة، فاضلة للغاية ومؤثرة جداً، بالإضافة إلى طموحها بالنسبة لنا. وفي الواقع غالباً ما يراوغ الكتّاب ويناورن في إجاباتهم خوفاً من الاعتراف بأنهم يفكرون كثيراً بأنفسهم وأعمالهم. مع السيدة موريسون، لم يكن هناك تردد أو غموض، لأنها تدرك قدرتها على “القول أكثر من الكتابة، ورغبتها في إعطاء مساحة للقارئ”.
تقول صاحبة المقال: “تشكلت كلماتي التي اكتبها عن موريسون بعد قراءة أعمالها، وبشكل خاص “العين الأكثر زرقة”، “أغنية سليمان”، “سولا” وعلى الأخص،”الحبيب” “بيكولا بريدلوف”، “ماكون الميت الثالث”، إنها شخصيات وقصص لا تُنسى. عندما كنت أقرأ كل رواية من روايات موريسون للمرة الأولى، كنت أرى أكثر من مجرد انعكاس لما يعنيه العيش في جسد امرأة زنجية، رأيت الجلالة والإمكانيات اللامتناهية، رأيت كاتبة تمارس حرفتها ببراعة وتتصف بالجرأة، وتجنب الخيارات السهلة على الرغم من المخاطر في القيام بذلك. في محادثة مع هيلتون ألس، قالت السيدة موريسون: “يمكنني قبول العلامات كوني كاتبة زنجية فهذا لا يقلل من شأني ككاتبة وإنما منحني فسحة غنية للكتابة، ولم يحد خيالي بل جعلني أكثر ثراءً من أن أكون كاتبة بيضاء لأنني أعرف أكثر ولدي خبرة أكثر”.
وتختتم الكاتبة: لقد علمتني السيدة موريسون كما علمت جيلاً كاملاً من الكتاب الزنوج أن ندرك أننا مواضع ثراء نكتب منها، وينبغي علينا أن نهتم بأنفسنا أولاً إذا كنا نأمل في أن يهتم بنا الآخرون. لقد علمتني أنه يمكننا الكتابة عن الزنجيات دون تهاون وأن لا نخفي الأشياء الضرورية ذات المغزى حول حياتنا في عالم يخبرنا أن حياتنا غير مهمة.
من المؤكد أن كتبها الرائعة وقصصها ومقالاتها وخطبها جزء مهم من إرثها، وستكون الأوسمة العديدة التي نالتها جزءاً من قصتها، ولكن، ربما سيكون أعظم إرث لها هو النسب المباشر بينها وبين العديد من الكتاب السود الذين ساروا على خطاها وهم يخلقون إرثهم، لذلك عندما يموت شخص لديه نفس الموهبة المذهلة مثل توني موريسون، يكون من السهل أن ترغب في تأليهه وتذكره على أنه خارق للطبيعة. خاصة أن كتابات السيدة موريسون في غاية القوة، فهي كتبت جملا لا تشوبها شائبة ومنحت الحكمة بطرق سهلة، طلبت الاهتمام وطالبت بالاحترام وكتبت قصصاً عاطفية لا تصدق، لها صداها في النفوس.
ترجمة: سمر سامي السمارة