اقتصادزواياصحيفة البعث

انتهاك الخصوصية

يدافع الجميع عن خصوصياتهم ويرفضون انتهاكها حتى من المقربين، ولكنهم يقبلون بانتهاكها بسهولة في مراكز العمل دون أدنى مقاومة!
وكلما كانت الشركة كبيرة ومنتجاتها تلقى قبولاً في الأسواق العالمية، ازدادت انتهاكات خصوصيات العاملين أكثر فأكثر!
لقد خصص بعض المهتمين في هذا المجال العديد من المؤلفات التي تشرح أسباب انتهاك مديري الشركات لخصوصيات عمالهم متسائلين: هل تجيز التشريعات أو القيم الأخلاقية استباحة خصوصيات العاملين إلى حد مراقبة أو التنصت على تفاصيل يومياتهم؟!
محور القضية تدور حول التالي: حق المدير في إدارة الشركة من جهة، وحق الموظف الاحتفاظ في خصوصيته في مكان عمله من جهة أخرى؟
لم يكن الأمر مطروحاً بحدة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكنه تحول إلى مادة خصبة للنزاعات مع بداية القرن الجديد، والسبب انتهاك مبالغ فيه لخصوصيات العاملين في الشركات!
وإذا كان العاملون يقولون: من حقنا حماية خصوصياتنا وعدم انتهاكها تحت أية ذريعة.. فإن مديري الشركات يردون: بل سننتهك خصوصياتكم لأنكم تسرقون أسرارنا وتبيعونها للمنافسين لقاء حفنة من الدولارات!
وكما نرى فإن الطرفين على حق، فقيام بعض الموظفين بسرقة أسرار الشركة لا تبرر التعميم وانتهاك خصوصية الجميع، فعلى مدير الشركة اتخاذ الإجراءات التي تمنع السرقات دون انتهاك الخصوصية!
ومديرو الشركات يردون: لا يمكن ضبط السرقات إلا بزرع الكاميرات وأجهزة التنصت في أماكن العمل بما فيها أماكن الاستراحة والحمامات، وكذلك التجسس على مكالماتهم الشخصية!
ويتذرع مديرو الشركات بالكم الكبير من سرقات أسرارهم على الرغم من قيامهم بانتهاك الخصوصية، ولو لم ينتهكوها لكانت السرقات أكبر!
وتشير المعلومات إلى أن سرقة أصول الشركات تتجاوز أربعة مليارات دولار في الولايات المتحدة فقط!
يطرح المختصون سؤالين مهمين: هل يمكن تجنب معارك الخصوصية في أماكن العمل..؟ وهل من قوانين تحمي حقوق العاملين..؟
ويرون أنه بالإمكان تجنب انتهاك الخصوصية من خلال قيام المدير بتجنب التطرق للجوانب الشخصية للموظف، والتركيز على بياناته الشخصية ومهاراته وصحيفة سوابقه!
مهما يكن من أمر.. فإن المدير قد ينجح بالسيطرة على بيئة العمل، ولكنه سيعجز عن ملاحقة أنشطة العاملين خارج مقر الشركة، وهو لا يمكن انتهاك خصوصيات العاملين آنذاك إلا إذا كان يملك الدليل على قيام العامل بأعمال تلحق الضرر بالشركة..!
قد يلجأ المدير إلى تكليف محققين للتحري عن الموظفين الذين يرتاب أنهم يقومون بسرقة أسرار وأصول الشركات للمنافسين، ولكن هذه العملية بحد ذاتها غير قانونية دون دليل دامغ، بل قد تعرض مدير الشركة لدعاوى خرق الخصوصية..!
أخيراً نسأل: هل مديرو الشركات السورية ينتهكون خصوصيات عمالهم..؟
الذي نعرفه أنهم ينتهكون حقوقهم ويرفضون حتى تسجيلهم بالتأمينات، وبالتالي لن يترددوا لحظة واحدة بانتهاك خصوصياتهم..؟
علي عبود