دراساتصحيفة البعث

تـفـكــك التحــالــف الــغــربي ضـــد إيــــران

هيفاء علي

يوماً بعد يوم تتكشّف المعطيات الدالة على تفكّك التحالف الغربي بقيادة واشنطن ضد إيران. فمنذ أن أصبح عمران خان رئيس وزراء باكستان في آب عام 2018 تغيّر  اتجاه  الرياح بعدما حدّد تحالفاته مع الشرق، وبشكل خاص مع الصين لمصلحة بلاده ولمصلحة الشرق الأوسط وأخيراً لمصلحة العالم، في حين أن أسلافه تأرجحوا بين الولايات المتحدة والصين.

مؤخراً، وقّعت الصين اتفاقية مع باكستان بشأن بناء قاعدة عسكرية/ جوية في باكستان، إضافة إلى العديد من مشاريع تحسين الطرق والسكك الحديدية.

وعليه، فإن إعادة تأهيل البنية التحتية المتهالكة للنقل في باكستان لا تمثّل فقط ما بين 2٪ و3٪ من الناتج المحلي الإجمالي لباكستان في المستقبل، بل ستوفر أيضاً منفذاً آخر للغاز والهيدروكربونات الإيرانية، بخلاف مضيق هرمز -على سبيل المثال- عبر السكك الحديدية إلى ميناء جوادار الجديد الذي يمكن عبره شحن شحنات النفط الإيرانية إلى أي مكان، بما في ذلك الصين وإفريقيا والهند. ما يعني أنه مع البنية التحتية الجديدة للنقل التي بنتها الصين، يمكن أيضاً توجيه الغاز الإيراني عبر البر إلى الصين.

في الواقع، تشكّل تطورات البنية التحتية هذه، إضافة إلى العديد من مشاريع توليد الطاقة، والتي تهدف إلى حلّ المشكلة المزمنة المتمثلة في نقص الطاقة في باكستان، جزءاً من مبادرة “الحزام والطريق” والتي تُسمّى أيضاً طريق الحرير الجديد. وتشكّل هذه العناصر عاملاً رئيسياً في الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني الجديد، والذي تمّ تصميمه لأول مرة في عام 2015 خلال زيارة قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ، في وقت كانت فيه نحو 51 مذكرة تفاهم قيمتها تقريباً 46 مليار دولار قيد التوقيع، لتغدو باكستان بالتأكيد خارج المدار الأمريكي. فمن الواضح أن باكستان أصبحت حليفة مخلصة للصين، على حساب دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ما يشير إلى تلاشي هيمنة واشنطن على الشرق الأوسط بسرعة مذهلة.

وقبل أيام قليلة رفضت ألمانيا طلب واشنطن المشاركة في مهمّة بحرية بقيادة الولايات المتحدة في مضيق هرمز، بحجة تأمين الحماية لشحنات النفط عبر هذا الممرّ المائي الضيّق الذي تسيطر عليه إيران، ليكون أكثر من تصور جديد للممرات المائية للالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. فيما أعلن وزير الخارجية الألماني من وارسو أن برلين رفضت طلب واشنطن الانضمام إلى عملية أمريكية وبريطانية وفرنسية لحماية حركة الملاحة البحرية في مضيق هرمز.

تمّ تصور فكرة صقور الحرب في واشنطن هذه بعد الاحتجاز القانوني الإيراني للناقلة التي تحمل العلم البريطاني “ستينا إمبيرو” بعد اصطدامها بقارب صيد إيراني قبل بضعة أسابيع. ومع ذلك، لا يوجد ما يُقال حول القرصنة غير القانونية المطلقة التي أمرت بها الولايات المتحدة لناقلة النفط الإيرانية العملاقة “جريس 1” قبالة جبل طارق في المياه الإسبانية قبل بضعة أسابيع. في هذه الأثناء، تمّ إطلاق سراح طاقم الناقلة “جريس 1″، لكن البريطانيين ما زالوا يحتجزون الناقلة ووسائل الإعلام الغربية ما زالت صامتة حيال ذلك، لكنها تدين إيران لاحتجازها ناقلة بريطانية في مضيق هرمز.

إضافة إلى ذلك، لا تزال ألمانيا ملتزمة بالاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه الولايات المتحدة من جانب واحد قبل عام، ولن تتدخل ألمانيا نيابة عن الولايات المتحدة. زد على ذلك تركيا -العضو في الناتو لموقعها الاستراتيجي والقوة العسكرية الحقيقية لحلف الناتو التي تمّ تأسيسها في تركيا- حيث تقترب أكثر من الشرق وتصبح حليفاً قوياً لروسيا، بعد تجاهل تحذيرات واشنطن ضد شراء تركيا لأنظمة الدفاع الجوي الروسية S-400. عاقبت الولايات المتحدة الاقتصاد التركي بالفعل عن طريق التلاعب بعملتها والتسبّب في انخفاض عملتها ما يقرب من 40٪ منذ بداية عام 2018. تركيا هي أيضاً مرشحة لتصبح عضواً في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وكذلك إيران.

أصبحت تركيا بحكم الأمر الواقع بطة عرجاء كعضو في الناتو وقد تغادر الحلف رسمياً قريباً، ما سيكون بمثابة ضربة فظيعة لتحالف شمال الأطلسي، ويمكن أن تحرّض الدول الأوروبية الأخرى على القيام بالأمر نفسه، ربما ليس بين عشية وضحاها، ولكن يتمّ إطلاق فكرة جدوى وجود حلف شمال الأطلسي على نحو متزايد.

كلّ شيء يشير إلى أن المستقبل، اقتصادياً ومن حيث الأمن، يقع في الشرق، حتى أوروبا يمكن أن تجرؤ على القفز نحو علاقات أفضل مع روسيا وآسيا الوسطى وربما مع الصين، وخاصة إذا حدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفي حال أعدّت المملكة المتحدة بالفعل علاقات تجارية ثنائية مع الصين جاهزة للتوقيع عندما تغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي.

وباعتبار المملكة المتحدة حليفاً آخر للولايات المتحدة، فهل ستغادر السفينة؟!. يجب أن يكون البريطانيون قد تعلموا من أسيادهم في واشنطن، الذين تلقوا بدورهم دروساً من البريطانيين كقوة استعمارية لعدة قرون على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، وبالتالي فإن الحرب الغربية بقيادة الولايات المتحدة ضد إيران أمر غير مرجح. هناك الكثير من القضايا، والأهم من ذلك، أنه لا يوجد حلفاء أكثر موثوقية في المنطقة، مع التذكير بأن الحلفاء أو بالأحرى البيادق عادة ما يقومون بالعمل القذر لمصلحة واشنطن.

وهكذا، قد تستمر استفزازات الولايات المتحدة المهدّدة والمزعجة وبعض حلفائها الغربيين الآخرين لبعض الوقت لتخدم البروباغندا. وبعد كل شيء، فإن تعبئة السلة والعودة إلى المنزل ليسا بالضبط ما يميّز العم سام، فالتحالف الغربي لم يعد كما كان من قبل، بل هو في حالة خراب وتفكك، ويبدو أن السلطات الإيرانية تعرف ذلك جيداً.