تحقيقاتصحيفة البعث

بمشاركة الأهل خيارات الطالب بعد الثانوية.. تحديد للمصير والمستقبل.. ورغبات تبحث عن فرص العمل

يحمل العام الدراسي في ثنايا أيامه ضغوطات كبيرة ترافق الطالب وذويه أيضاً، حيث تبدأ رحلة العام بتأمين المدرّس الخاص، والانهماك بوضع برنامج دراسي طيلة العام الذي لا يخلو من مراقبة وترصد وتتبع لما ينجزه الطالب في الامتحان الذي يعقبه بفترة صدور نتائج وحصاد عام كامل من الكد والجد والمثابرة، فبعد صدور نتائج امتحانات الدورة الثانية لطلاب المرحلة الثانوية، تبدأ الرحلة الأصعب والمرحلة الحرجة والأهم في مسيرة حياة الطالب التي يبنى عليها تقرير مصير المستقبل باعتبارها الجسر الذي يعبر من خلاله إلى دراسة الاختصاص الذي يؤهله للدخول إلى الحياة الجامعية، أو إلى سوق العمل، وهنا يبرز السؤال الأهم: تقرير مصير الطالب مسؤولية من؟ وما منعكسات خيار الطالب في تقرير مصير حياته على نفسه أولاً، ووطنه ومجتمعه تالياً؟ وهل يكون تدخل الأولياء مشاركة أم إيعازاً؟.

 

مرحلة مفصلية

تحتل مرحلة التعليم الثانوي أهمية كبرى في أي نظام تعليمي، فهي المعبر من المدرسة إلى الحياة العلمية والعملية، حيث توفر العمالة الوسيطة للقطاع الاقتصادي، وتلعب دوراً أساسياً في إعداد الشباب، فهي مرحلة مفصلية في تقرير مصير الطلاب، وتحديد مستقبلهم المهني والحياتي، حسب ما أشار إليه الدكتور بسام الصافتلي في كلية التربية.

 

رهن أفكار وخيارات الآخرين

ولفت الصافتلي إلى أن  اختيار أغلب الطلاب لمستقبلهم المهني أو الدراسي مرهون بأفكار الآخرين أو خياراتهم، وخاصة الأهل الذين قد يصلون إلى حد الإجبار والفرض، فرغبة الأهل الملحة في دخول أبنائهم لكليات الطب والهندسة لا تتعلق فقط بتصوراتهم الاجتماعية، بل أيضاً باعتقادهم أن هذه الدراسات هي الأكثر حظاً في الحصول على فرص العمل السريعة، وهي المهن التي تتميز بدخل مرتفع يؤمن الحياة الكريمة لأبنائهم.

سلطة الأهل

وأردف دكتور التربية: تشكّل خيارات الأهل وتصوراتهم واحداً من أهم معايير اختيار الطلاب لمستقبلهم المهني أو الدراسي، وغالباً ما يخضع الطلاب عن رغبة أو غير رغبة إلى سلطة الأهل، إن لم تكن هناك عوائق أخرى كالخيارات الإجبارية التي تجعل من جميع معايير الاختيار بلا قيمة، وهذه الخيارات تتعلق عادة بالدرجات التي يحصل عليها الطالب في الثانوية العامة، والتي تؤهله لدخول كليات أو معاهد معينة بغض النظر عن رغبته، أو رغبة أهله، أو مستقبل هذه الدراسة، بمعنى آخر أنّ الدرجات الدراسية المنخفضة تحرم الطالب رفاهية الاختيار ما لم تكن لدى الأهل القدرة على تسجيله في جامعات خاصة أكثر تسامحاً مع الدرجات والمعدلات المنخفضة، مشيراً إلى أن لكل طالب شخصيته وقراراته المستقلة، لذلك يجب أن يتحرر من تبعيته في اختيار مستقبله وتقرير مصيره بما يتوافق مع طموحاته وميوله ورغباته، وبما يتناسب مع حاجات سوق العمل.

خيار مؤثر

وأكد الصافتلي أنه عند حصول الطالب على شهادة الثانوية العامة فإنه يكون أمام خيار مؤثر في حياته، فالدراسة المناسبة ستكون باباً لمهنته المستقبلية، والاختيار غالباً ما يكون صعباً ما بين مؤهلات الطالب وأحلام المستقبل، وغالباً ما يتأثر قرار اختيار الدراسة الجامعية بالكثير من العوامل والظروف التي قد تقود إلى خيار غير موفق يندم عليه الطالب مدى الحياة.

“ماذا سأختار؟”

سؤال يطرحه الكثير من الطلاب، خاصة أن ظروفاً كثيرة، منها ما هو اقتصادي، أو اجتماعي، أو تعليمي، تلعب دوراً في هذا الاختيار، فمع حصول بعض الطلاب على درجات متدنية في شهادة الثانوية العامة، تنغلق أمامهم أبواب بعض التخصصات الدراسية التي كانوا يودون دراستها في الجامعة، إضافة إلى العامل الاقتصادي الذي يدفع الطلاب إلى عدم دراسة تخصصات معينة تكون مدة دراستها طويلة ومكلفة، أو ترك الدراسة والالتحاق بسوق العمل مباشرة.

ارتقاء في مختلف المجالات

تتجلى أهمية الاختيار المناسب في قدرة الطالب على الإبداع والابتكار في المجال المرغوب، وبالتالي إفادة المجتمع بالشكل الأقصى، فليس من المنطقي تزاحم الأفراد حول تخصص واحد، وبالتالي الارتقاء بالمجتمع في مختلف الحقول والمجالات، فدراسة التخصصات غير المفضلة تجعل الإنسان يقضي وقته في الجامعة جحيماً ومعاناة ومللاً قد يقوده إلى ترك الجامعة، واللجوء إلى الأعمال والمهن الحرة.

تقبّل واحترام قرار الطالب

لا شك أن للأهل دوراً كبيراً أوجزه الصافتلي، حيث يتوجب عليهم عدم إجبار ابنهم على اختيار مستقبله وتقرير مصيره، ولكن هذا لا يعني أن على الأهل ترك حرية الاختيار الكاملة لأبنائهم بمفردهم، بل يجب أن يستمع الطالب إلى وجهات النظر المختلفة، ويتفهم رغبات الأهل، ومن الأجدى دائماً أن يتفهّم الأهل وجهة نظر ابنهم، وأن يتم اتخاذ قراره برضاه وليس رغماً عنه، ذلك أن احتمالات نجاحه في هذا الاختيار تنخفض عندما يكون كارهاً له وغير مقتنع به.

حالة صراع

وبدوره همام كناج، رئيس فرع الاتحاد الوطني لطلبة سورية بطرطوس، اعتبر أن مرحلة اختيار الاختصاص الجامعي من خلال المفاضلة الجامعية مهمة في تحديد مصير الطالب، حيث يدخل الطالب في حالة صراع بين ما يرغب الأهل أن يكون عليه، وما يرغب أن يكون عليه الطالب، ويتدخل في ذلك المعدل المحقق نتيجة امتحانات الشهادة الثانوية، وعلى الطالب ترتيب الرغبات المتاحة وفق العلامات بما يتناسب مع ميوله ورغبته بالدرجة الأولى.

 

قرار واع

ويؤكد كناج على أن مستقبل الطالب يجب أن يقوم على خياره بالدرجة الأولى، وهذا يقتضي أن يكون لديه النضج، والوعي، والقدرة على تحمّل المسؤولية في اتخاذ وتحمّل القرار، مشيراً إلى أنه ليس لدى جميع الطلاب هذه الإمكانية والمقدرة، وأحياناً يكون لديهم اندفاع نحو خيار لمجرد الرغبة دون دراسة النتائج المستقبلية، وإمكانية استثمار هذه الدراسة والاختصاص بشكل ينعكس إيجاباً في بناء مستقبل الحياة، وللأهل دور كبير في تقديم المشورة والنصح والدعم، كما يمكن الاستعانة باختصاصيين، والبحث من خلال الأنترنت لتقديم المعلومات عن اختصاص ما.

ولفت رئيس فرع الاتحاد إلى أن الطالب إذا درس في اختصاص لا يرغب به فإنه لن يكون مبدعاً، ولن يقدم قيمة مضافة، مشيراً إلى أن العامل الأساس في تحقيق الإنتاجية هو مقدار الشغف في العمل، ومقدار الإبداع في التقديم والإنتاج.

قلق يخالطه خوف

وأشارت ميساء دكدوك، المرشدة النفسية، إلى قلق الأهل الذي يخالطه الخوف على مستقبل أولادهم، فليس سهلاً على الأسرة حياة القلق والانتظار التي يعيشونها خلال عام وأكثر، مضيفة: بعد دخول الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين إلى المدارس، هناك أعداد من التلاميذ يلجؤون إليهم بعد نتائج المذاكرات الفصلية والامتحانات لمناقشة نتائجهم، ونقاط الضعف والقوة لديهم، ونتيجة الحوار يتمكن الطالب من معرفة قدراته واتجاهاته، بالإضافة إلى معرفته الواقع العملي لكل اختصاص، ويكون الاختيار أحياناً من قبل الأهل، حيث يختارون الاختصاص لأبنائهم حسب سوق العمل، بالإضافة إلى النظر لتوريث المهنة في العائلة، وهناك أولياء يختارون الطب والهندسة بغض النظر عن ميول وقدرات الأبناء، والقلة القليلة هم الذين يتركون الخيار لأبنائهم، ولا ننسى وجود الجامعات الخاصة التي فتحت مجالاً أمام من يريد التباهي أمام المجتمع بأن ابنه يدرس الطب أو الهندسة.

نتائج غير محمودة

وتؤكد المرشدة النفسية أن الطالب إذا تمكن من اختيار الاختصاص المناسب حسب قدراته وميوله، وهذا يكون نتيجة التربية والتوجيه السليمين، انعكس عليه بالراحة والطمأنينة، ويذهب إلى الجامعة وكأنه في نزهة ترفيهية، أما الطالب الذي يدخل الاختصاص بناء على رغبة الأهل، وحسب المعدلات، (إن لم يكن ما تريد رد ما يكون)، نجده أغلب فترة الدراسة قلقاً، ولا يواظب على حضور المحاضرات، يهرب من الدراسة، همه النجاح بأدنى المعدلات، وقد يرسب ويصبح خارج الجامعة، ومن المحتمل أن يترك الدراسة الجامعية بعد أن يكون خسر من عمره الكثير، وكلّف الحكومة الكثير أيضاً، كمن يبني بيتاً ووصل إلى الإكساء وتهدم.

تعويض النقص

وبيّنت دكدوك أن في واقعنا بعض الآباء لم يتمكنوا من الحصول على شهادة جامعية، ويريدون أن يعوّضوا بأبنائهم، فيطالبونهم بالاتجاه إلى الجامعة بغض النظر عن قدراتهم ورغباتهم وميولهم، وهذا ينعكس سلباً على الطالب والأهل والجامعة والبلد، متناسين أن هناك أصحاب مهن ناجحين ومبدعين في مهنهم، ولهم مركزهم الاجتماعي المرموق، ومتناسين أن الكثير من المهندسين يعينون في وظائف في الشركات لا تمت بصلة إلى اختصاصهم، والكثير من عيادات الأطباء يزورها عدد قليل من المرضى.

دارين حسن